كزافييه دريانكور… الدبلوماسي الذي لم يكن دبلوماسيًا
كشف الزمن ما كان يختبئ خلف واجهة الدبلوماسية الهادئة التي ارتداها كزافييه دريانكور، السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر. فمنذ تقاعده، لم يفوّت الرجل مناسبة دون أن يصبّ الزيت على نار العلاقات الجزائرية الفرنسية، متنقّلًا بين منابر اليمين المتطرف في باريس، حاملاً في جعبته مزيجًا من التحريض، التهويل، وإنكار الذاكرة الاستعمارية.
غير أن أخطر ما في مسيرة كزافييه دريانكور ليس تصريحاته بعد مغادرته الجزائر، بل سنواته على رأس البعثة الدبلوماسية في حيدرة، حيث نسج علاقات خفية مع دوائر المال الفاسد، وأشرف – أو غضّ الطرف – عن صفقات مشبوهة، أبرزها تفويت “فيلا الزبوج” لرجل الأعمال رضا كونيناف، بسعر رمزي أثار الكثير من الشكوك.
في تحقيق صحفي نشرته صحيفة Le Soir d’Algérie بتاريخ 24 سبتمبر 2024، طُرح ملف بالغ الخطورة حول تورط كزافييه دريانكور في تفويت عقار فاخر يعرف بـ”فيلا الزبوج”، لصالح رجل الأعمال رضا كونيناف، أحد أبرز أذرع الفساد في عهد بوتفليقة. العقار، التابع للأملاك الفرنسية بالجزائر، بيع بسعر منخفض للغاية، وبموافقة مباشرة من السفير، ما يفتح الباب أمام شبهات فساد ثقيلة تطال تمثيل فرنسا الدبلوماسي خلال تلك الفترة.
خلال سنوات تمثيله لفرنسا في الجزائر، نسج كزافييه دريانكور شبكة علاقات مع عائلة كونيناف، التي كانت تسيطر على مشاريع كبرى في قطاعات البناء والماء والطاقة. تشير تقارير إعلامية إلى أن دريانكور سهّل لقاءات سرية بين ممثلي شركات فرنسية ومسؤولين من عائلة كونيناف، ما منحهم تسهيلات استثنائية في مشاريع عمومية، في وقت كانت البلاد تغرق في الفساد المؤسسي. هذه المعطيات ظهرت لاحقًا في ملفات التحقيق التي عرضت أمام القضاء الجزائري، مع تلميحات واضحة إلى تدخلات أجنبية غير مباشرة، يرجّح أنها كانت من داخل السفارة الفرنسية.
عوض أن يحافظ كزافييه دريانكور على الحياد، اختار الانخراط في حملة ممنهجة لتشويه صورة الجزائر، عبر مقالات ومحاضرات ومداخلات تلفزيونية، حملت في مجملها اتهامات سياسية وأخلاقية للدولة الجزائرية. ما يثير التساؤل هو تجاهله التام لعلاقاته السابقة بشخصيات ثبت تورطها في الفساد، وكأنّه يبرّئ نفسه من ماضيه القريب، ويستثمره فقط كأداة للهجوم.
في إحدى مقالاته بمجلة Le Point، صرّح كزافييه دريانكور أن “الجزائر تستخدم التاريخ كسلاح ضد فرنسا”. هذا التصريح لم يُقرأ فقط كاعتداء على ذاكرة ضحايا الاستعمار، بل كإعادة إنتاج لخطاب استعماري معادٍ، يتقاطع مع مواقف أحزاب اليمين الفرنسي المتطرف. وهكذا، يتحول دريانكور من شاهد على مرحلة حساسة، إلى فاعل في حرب الذاكرة التي تقودها بعض الدوائر الفرنسية ضد الجزائر.
رغم كل التصريحات المستفزة، لم يصدر عن الجزائر رد رسمي تجاه كزافييه دريانكور. غير أن مصادر إعلامية مطلعة أكدت أن السلطات تتابع عن كثب تحركاته، وتقوم بجمع وتحليل المعلومات المرتبطة بفترة وجوده في الجزائر، خاصة ما يتعلّق بالأملاك الفرنسية التي تم التصرف فيها، وارتباطها برجال أعمال متورطين في ملفات فساد.
قد يكتب التاريخ أن كزافييه دريانكور خدم فرنسا من الجزائر، لكنه سيكتب أيضًا أن هذا السفير اختار أن يصمت حين كان يرى بأم عينه كيف تُنهب البلاد، ثم عاد ليتكلم فقط عندما تغيرت موازين المصالح. الدبلوماسي الذي تحوّل إلى بوق لليمين، والصامت الذي صار ناقدًا متأخرًا، سيظل مثالًا واضحًا على ما يحدث حين تختلط الدبلوماسية بالفساد، والمصالح بالخيانة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…