ماذا يريد مقري من الجزائر؟
في حلقة جديدة من “جسر بودكاست”، استضاف خير الدين الجابري السياسي والمفكر الجزائري د. عبد الرزاق مقري، حيث تحدث عن أزمة غزة وانتقد موقف الجزائر الذي يراه مقصراً ويتماشى مع الموقف الأمريكي. ولكن لم يشرح لنا الدكتور كيف كان يجب أن يكون الموقف الجزائري من غزة، غير الموقف الحالي الذي يعتبره كثيرون مشرفاً للغاية. فهل يتبنى مقري موقف التيار “الإخواني” المغامر وغير المسؤول، والذي يريد أن تدخل الجزائر في الحرب ضد إسرائيل؟
الدكتور مقري يتأسف للموقف العربي من أحداث غزة، التي اندلعت فجأة دون أن يكون لأي بلد عربي علم مسبق بها، على الأقل حسب ما نتابعه علناً. وصراحةً، الموقف العربي لا يهم، لأن هذه البلدان لها مسؤولوها وحساباتها الداخلية والخارجية مثل أي دولة في هذا العالم غير المستقر والخطير.
كما تحدث الدكتور عبد الرزاق مقري عن منعه من التظاهر في الجزائر لمساندة غزة، بينما شاهدت مثل كل الجزائريين عدة مظاهرات تساند غزة وتندد بما تقوم به إسرائيل من مجازر في حق الشعب الفلسطيني، وخرجت حشود غفيرة في عدة مناطق في البلد.
الخروج إلى الشارع في المنطق السياسي يكون من أجل الضغط على الحكومة لدفعها نحو تبني الموقف الذي تطالب به الجماهير. أما في حالة الجزائر، فالسلطة تتخذ موقفاً مشرفاً يعترف به الجميع، داعماً للشعب الفلسطيني. وقد كرست الجزائر كل ما لديها من وسائل لدعم القضية الفلسطينية، كما جندت دبلوماسيتها ليل نهار في الخارج وفي مجلس الأمن من أجل إقناع القوى الكبرى بضرورة وقف القتال، وطالبت بمعاقبة إسرائيل على أفعالها. ولا أعتقد أن الدكتور عبد الرزاق مقري يستطيع فعل أكثر مما فعلته الحكومة الجزائرية، التي يجب علينا جميعاً الثناء عليها، بل وشكرها ودعمها على ما تقوم به لصالح الفلسطينيين، وليس انتقادها كما يفعل زعيم حمس السابق.
صراحةً، لا أفهم جدوى التظاهر الذي هدفه الضغط على الحكومة لاتخاذ الموقف الذي يطالب به الشارع، بينما الحكومة الجزائرية تتبنى الموقف نفسه. والأجدر هو دعمها كما تقتضيه أبسط قواعد العمل السياسي، خاصة في القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية.
الدكتور مقري يعتبر أن الموقف الذي اتخذته الجزائر ليس كما يريده أو يراه، وهذا من حقه كمواطن جزائري وكعنصر لتيار حركة الإخوان المسلمين. وكنت أتمنى أن يشرح لنا بوضوح الموقف الذي يريده عبد الرزاق مقري، والذي لا نعرفه، ويمكن فقط أن نخمن. وربما يريد أن تدخل الجزائر في حرب. كما يعتبر الموقف الجزائري بأنه اتخذ تحت تأثير الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا خطأ جسيم لا يُغتفر، لأن الموقف الجزائري هو الوحيد عربياً الذي يزعج الولايات المتحدة الأمريكية. والدليل ما كتبته هذا الأسبوع الصحافة الإسرائيلية، وتحديداً صحيفة “هآرتس”، التي فضحت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قائلة إنه يدعم نتنياهو في تشدده. إذن، أمريكا تدعم الحرب في غزة، وهي من ترسل القنابل والأسلحة الفتاكة للجيش الإسرائيلي، بينما الجزائر تناهض وتناضل أمام العالم ضد هذا الموقف الأمريكي، وتضغط على مستوى مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة، وذهبت إلى حد المطالبة بفرض عقوبات ضد إسرائيل. أين أوجه التشابه والتماهي مع السياسة الأمريكية يا دكتور مقري؟
الدكتور عبد الرزاق مقري يعتقد أنه يريد الحرب، يعني بصريح العبارة أن تدخل الجزائر في صراع عسكري ضد إسرائيل، ولكن لم يسأل نفسه ككل المغامرين: ما هي موازين القوى الموجودة حالياً على الساحة الدولية؟ هل هي تساعد على التوجه هذا أم لا؟ كل ما يحيط بنا إقليمياً ودولياً يقول العكس تماماً. موازين القوى لا تسمح بهكذا مغامرة كما يدافع عنها “الإخوان المسلمون”، الذين لا ندرك نواياهم إلا بعد فوات الأوان، كما نراه في عدد من البلدان التي انهارت. طبائع حركة الإخوان المسلمين هي الغوغائية والمزايدات والدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب، تنتهي بما لا يحمد عقباه وبكوارث على الشعوب.
وأي ذي عقل راجح وراشد ولديه بعض الاطلاع لا ينصح بلده بالدخول في حرب ضد إسرائيل، بل لا يتمنى أي حرب للجزائر من أساسها، خاصة في الوقت الراهن. وأنت تعلم يا دكتور مقري عواقب هذه الخطوة، وعلى بعد أميال فقط من شواطئنا تسبح حاملات الطائرات والغواصات النووية التي جيء بها من أمريكا فقط لحماية إسرائيل والدفاع عنها عسكرياً. وأنت تعلم حتى الصين ليست لها الآن القدرة على مواجهة أمريكا، رغم التطور الهائل والطفرة النوعية التي أنجزتها في مجال التسلح، بما في ذلك الأسلحة النووية، وكل الدراسات تعطي التفوق عسكرياً لصالح أمريكا، إلا إذا وقعت الحرب بالقرب من الحدود الصينية نفسها، فالأمر قد يختلف.
أما حديث الدكتور عن المظاهرات التي جرت وتجري في الغرب وفي أمريكا لدعم غزة، فهذا أمر يختلف تماماً عما يحدث في الجزائر. فالحكومات الغربية، وعلى رأسها أمريكا، تدعم إسرائيل، والدليل أن الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة طلب فقط عقد اجتماع مجلس الشراكة الأوروبي الإسرائيلي لمحاولة الضغط على إسرائيل لاحترام حقوق الإنسان، فرفضت إسرائيل الدعوة للاجتماع من أصله، وبقي الاتحاد الأوروبي تائهاً لا يعرف ماذا يفعل، رغم أن القرار اتخذ في قمة حضرتها عربية وأوروبية مشتركة لإرضاء الطرف العربي.
المظاهرات في أمريكا والغرب التي تم قمعها بالقوة وأدت إلى استقالة بعض قيادات الجامعات الأمريكية من مناصبها تحت ضغط اللوبي الصهيوني، نُظمت يا دكتور عبد الرزاق مقري للضغط على حكوماتهم الداعمة لإسرائيل، ولم تنجح أي من المظاهرات في هذا المسعى، رغم كل التطبيل الإعلامي لدغدغة عاطفة العربان. ولكن هذا ليس حال الوضع في الجزائر، بل العكس تماماً. القيادة الجزائرية تساند غزة وتعمل على وقف العدوان ضدها ليل نهار، فهي تحتاج منكم ومن الجميع إلى الدعم وليس إلى التظاهر ضدها. فكيف تتظاهر ضد من يطبق أكثر مما تتصور يا دكتور مقري المبادئ التي تطالب بها أنت، اللهم إلا إذا كان للتظاهر أهداف أخرى.
بينما التظاهر الصحيح والمهم جداً في الظروف الحالية هو تنظيمكم كحركة إخوان مسلمين مظاهرة للتنديد بأصدقائكم في حكومة طالبان، بعد أن أعلنت هذا الأسبوع اعتبار وجه المرأة “عورة”، وهذا يعني أن المرأة الأفغانية لن تستطيع حتى الذهاب إلى مكة المكرمة للحج مادام وجهها أصبح “عورة” وممنوع إظهاره. ويصح أيضاً التنديد بتفشي ظاهرة الرجم الغريبة عن الإسلام في هذا البلد، لأن الرجم هو أحد الأسس العقابية في الديانة اليهودية ولا وجود له في الإسلام، على حد علمي البسيط.
لخضر فراط صحفي معتمد لدى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي مدير نشر جريدة المؤشر
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…