المخزن والمستعمر القديم.. شراكة الاستغلال؟
يمكن النظر إلى النظام المغربي اليوم كنموذج يعكس بقايا الاستعمار في إفريقيا، إذ تتشابه ممارساته السياسية والاقتصادية مع نهج القوى الاستعمارية القديمة التي لا تزال تسعى للهيمنة على الموارد والنفوذ في المنطقة. فمنذ حصوله على الاستقلال، يبدو أن المغرب لم يتحرر من تأثير القوى الاستعمارية الغربية، لا سيما فرنسا، التي لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في رسم سياساته وتوجهاته بما يتوافق مع مصالحها الاقتصادية والسياسية في شمال إفريقيا.
يرى الكثيرون أن النظام المغربي يعمل كذراع ممتدة للاستعمار، تُستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية في القارة الإفريقية، حيث يوفر للمستعمر القديم “شريكاً مرناً” يتماشى مع مصالح القوى الغربية. ويتجلى ذلك من خلال سياسات اقتصادية مبنية على الانفتاح التام أمام الشركات الأجنبية، وتمكينها من استغلال موارد البلاد من جهة، وفتح المجال للتدخلات الأجنبية في الشؤون المحلية والإقليمية من جهة أخرى.
وتتضح مظاهر هذه التبعية في تعامل المغرب مع ملف الصحراء الغربية، حيث يُدار هذا النزاع وفقاً لما يخدم مصالح النظام مع القوى الخارجية أكثر من كونه قضية وطنية. وتغض فرنسا ودول أوروبية أخرى الطرف عن السياسات القمعية والانتهاكات التي يمارسها المغرب في هذه المنطقة، مقابل دعم سياسي واقتصادي يتيح لتلك الدول الاستفادة من الموارد الطبيعية للصحراء الغربية، مثل الفوسفات والغاز الطبيعي والثروات البحرية. وبهذا، تتحول الصحراء إلى ساحة لاستغلال الموارد تحت غطاء استعماري جديد يُمارس الاستغلال الاقتصادي والسيطرة السياسية.
ويعزز من هذا التوجه تبني النظام المغربي سياسات اقتصادية تمكن الشركات الأجنبية من استغلال الموارد الطبيعية بشكل شبه مطلق، في حين يتم تهميش حقوق الشعب المغربي في الاستفادة من هذه الثروات، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية وتعميق الفجوة الاقتصادية في البلاد. تُصدر معظم الموارد المحلية إلى الأسواق الخارجية، ما يترك الشعب المغربي يعاني من محدودية الفرص، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية.
لا يمكن فهم هذه السياسات والتحركات المغربية إلا ضمن إطار التبعية للقوى الخارجية، حيث تخدم التحركات السياسية والتوجهات الاقتصادية للنظام مصالح الدول الكبرى وتتوافق مع رغباتها، في نمط جديد من الاستعمار غير المباشر الذي يفرض نفوذه عبر استغلال الأنظمة الموالية. تؤكد هذه التبعية المتزايدة أن المغرب لا يزال يمثل امتداداً ليد المستعمر التي تستمر في بسط نفوذها على المنطقة بوسائل حديثة، باستخدام الأنظمة الحليفة كأدوات لتحقيق أهدافها.
ومن اللافت أن هذه السياسات لا تخدم استقرار المغرب ولا تحقق تطلعات شعبه، بل تزيد من وتيرة السخط الشعبي نتيجة التهميش المستمر للحقوق والموارد. كما تثير مخاوف إقليمية متزايدة في شمال إفريقيا، حيث تتنامى مشاعر الرفض تجاه سياسات المغرب التوسعية المرتبطة بالمصالح الغربية، مما قد يفتح الباب أمام توترات جديدة ونزاعات إقليمية.
يبقى النظام الذي يسعى للحصول على دعم خارجي على حساب مصلحة شعبه وكرامته معرضاً لفقدان شرعيته على الصعيدين الوطني والإقليمي. وستظل مخاطر زعزعة الاستقرار الإقليمي قائمة، مما قد يؤدي إلى نتائج خطيرة قد تجر المنطقة بأكملها إلى عواقب غير محمودة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …