الافتتاحية - 10 نوفمبر، 2024

المغرب يسيء التقدير

المغرب يسيء التقدير
التصريحات الصادرة عن الملك المغربي محمد السادس ووزير خارجيته ناصر بوريطة تعكس محاولة واضحة من المغرب لتصعيد التوتر مع الجزائر، عبر تقديم صورة مغايرة لحقيقة سياسات الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، الذي أبدى موقفًا صريحًا بالابتعاد عن السياسات العسكرية والتدخلات الخارجية. ورغم ترويج الرباط لفكرة استفادة المغرب من عودة ترامب إلى الرئاسة، يبدو أن النظام المغربي يُخطئ في قراءة المعادلات الدولية، خاصةً مع تأكيدات ترامب المستمرة على تجنب الدخول في نزاعات جديدة وسعيه لتحقيق الاستقرار والسلام.

يحاول المغرب، من خلال خطابه العدائي تجاه الجزائر، أن يصور نفسه كضحية أمام الرأي العام الدولي، في وقت يستمر فيه بتوسيع سياساته على حساب حقوق الشعب الصحراوي. يسعى النظام المغربي إلى كسب دعم قوى دولية عبر تصوير الجزائر كدولة “معادية” للسلام الإقليمي، مستخدمًا هذا التصعيد كوسيلة لتضليل المجتمع الدولي وتبرير أي خطوات عدائية قد يتخذها ضد الصحراء الغربية، حيث يطمح إلى فرض سياسة الأمر الواقع تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.

كما يتطلع المغرب إلى استغلال عودته لتحالفه السابق مع إدارة ترامب، التي اعترفت سابقًا بسيادته على الصحراء الغربية، رغم الجدل الكبير حول هذا الاعتراف. إلا أن هذا الدعم السابق قد تخلله الكثير من الانتقادات من طرف ترامب ذاته، الذي وصف النظام المغربي في مناسبات عدة بأنه “نظام فاسد” بعد تقديمه دعمًا ماليًا كبيرًا لهيلاري كلينتون، ما أثار استياءه شخصيًا. حتى المستشار الأمني السابق في البيت الأبيض، جون بولتون، أعرب عن انزعاجه من التوجهات التوسعية للرباط في المنطقة.

لكن يبدو أن التقديرات المغربية للوضع الدولي الحالي تفتقر للدقة، حيث إن سياسات ترامب الحالية تميل إلى إنهاء النزاعات بدلاً من دعمها، مثل الضغوط التي مارسها على حليفه الإسرائيلي لوقف الأعمال العسكرية في غزة ولبنان. ولذلك، فإن اعتقاد المغرب بإمكانية دعم ترامب لسياساته التوسعية قد يكون مبنيًا على فهم خاطئ للنهج الذي يتبناه الرئيس الأمريكي الجديد، الذي بات يعمل على تجنب النزاعات وتوجيه طاقته نحو بناء السلام والاستقرار.

أما الجزائر، فتواصل التمسك بموقفها الثابت الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقًا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وتحظى الجزائر بدعم واسع من المجتمع الدولي، إضافة إلى دول إفريقيا والعالم العربي. وتستمر الجزائر في التزامها بنهجها الدبلوماسي القائم على احترام القانون الدولي والعمل على تحقيق حلول سلمية للنزاعات، مع رفضها القاطع للضغوط المغربية الهادفة إلى فرض الأمر الواقع.

إن رهانات المغرب على عودة ترامب قد تكون محكومة بالفشل وقد تؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة مع وعي المجتمع الدولي المتزايد بتعقيدات قضية الصحراء وخطورة استمرار النزاع في شمال إفريقيا، لا سيما مع تزايد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل. ورغم التحذيرات المتكررة التي تلقاها المغرب من جهات دولية بشأن تجنب التصعيد العسكري، إلا أن النظام المغربي يواصل السير في هذا النهج، متجاهلًا التحولات الواضحة في السياسة الخارجية الأمريكية التي أصبحت تميل إلى تقليص التدخلات الخارجية والتركيز على قضايا الداخل الأمريكي.

في المحصلة، يبدو أن المغرب يراهن على متغيرات دولية غير واقعية لا تتناسب مع طموحاته التوسعية، في وقت تظل فيه الجزائر ثابتة في موقفها ومناصرةً لحقوق الشعب الصحراوي المشروعة. ومع التزامها بالشرعية الدولية، يمكن للجزائر أن تظل الصوت الأقوى في المنطقة، مدافعةً عن حقوق الشعب الصحراوي، ومواجهةً لأي محاولات لفرض سياسة الأمر الواقع.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر

يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …