شركة الطباعة بالجزائر تحجب “المؤشر” بدون سبب!.. هل هناك تهديد لحرية الصحافة في الجزائر؟
دفعت الجزائر ثمناً غالياً لنيل استقلالها، حيث استشهد مليون ونصف المليون من أبنائها لتحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي. هؤلاء الأبطال ضحّوا بحياتهم ليحصل الجزائريون على الحرية، بما فيها حرية التعبير والصحافة، التي تمثل عين الشعب وصوته.
ما حدث مع جريدة “المؤشر” بحجب عددها الصادر في 20 نوفمبر 2024، دون مبرر مقنع أو قرار رسمي، يثير تساؤلات جوهرية: هل نكرم تضحيات الشهداء عندما نقوض الحريات التي استشهدوا من أجلها؟ وهل هناك تهديد جدي لحرية الصحافة في بلد الشهداء؟
لطالما كانت الصحافة الحرة عنواناً للسيادة الوطنية ودليلاً على قوة الدولة. ومع ذلك، فإن حجب “المؤشر” بطريقة عشوائية دون أي تبرير قانوني يعكس واقعاً مؤلماً، وكأن حرية الصحافة التي يكفلها الدستور أصبحت مجرد شعار أجوف.
هذا الحجب ليس مجرد إجراء تقني أو تأخير إداري، بل هو استهداف مباشر لحق المواطن في الوصول إلى المعلومة ولحق الصحفي في التعبير. مثل هذه الممارسات لا تهدد فقط المؤسسات الإعلامية، بل تُضعف ثقة المواطنين في النظام الإعلامي بأكمله، مما يشكل خطراً على الديمقراطية الناشئة التي تسعى الجزائر إلى ترسيخها.
المفارقة الكبرى هي أن “المؤشر” تتبنى خطاً وطنياً واضحاً، داعماً لتوجهات الدولة الجزائرية في بناء الجزائر الجديدة تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. ومع ذلك، تجد نفسها عرضة للتضييق وكأن الولاء للوطن بات مصدر إزعاج لبعض الأطراف التي اعتادت الفوضى والفساد.
إن ما حدث مع “المؤشر” يفتح الباب لتساؤلات أكبر: هل محاربة الفساد والاستعمار الجديد تثير حفيظة بعض الجهات؟ وهل هناك من يحنّ إلى ممارسات النظام السابق ويسعى لإبقاء الجزائر في دائرة الفساد والفوضى؟
حجب جريدة، مهما كان حجمها، يُعد تكميمًا للأفواه وإغلاقًا لنوافذ التعبير. وعلى القائمين على قطاع الإعلام، وخاصة وزير الاتصال والإعلام الجديد، السيد محمد مزيان، أن يدركوا أن حرية الصحافة ليست ترفاً، بل هي جزء أساسي من كفاح الجزائر ضد كل أشكال الاستبداد، سواء كان استعماراً قديماً أو فساداً حديثاً.
هذه الممارسات تسيء لصورة الجزائر داخلياً وخارجياً، في وقت تعمل فيه البلاد على تحسين مكانتها الدولية. إسكات الصحافة يهدد هذه الجهود ويعطي انطباعاً بأن الجزائر تتراجع عن مبادئها الديمقراطية.
لقد علمنا التاريخ أن إسكات الإعلام هو أول خطوة نحو الفشل. البلدان التي تقمع صحافييها تقف على أعتاب الانهيار، حيث يسود الصمت وتتغوّل القوى التي لا تريد الخير للوطن. نحن بحاجة إلى صحافة قوية وملتزمة تسهم في بناء دولة شفافة ونزيهة.
إن التضييق على “المؤشر” أو أي وسيلة إعلامية أخرى ليس مجرد تعدٍ على حق المؤسسة، بل هو تعدٍ على روح الجزائر التي ارتوت بدماء الشهداء من أجل الكرامة والحرية. نحن اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في ممارساتنا الإعلامية لضمان حق المؤسسات الصحفية في العمل بحرية، وضمان حق المواطن في إعلام مستقل وشفاف.
إن قضية “المؤشر” اختبار حقيقي لالتزامنا بالقيم التي قامت عليها دولتنا، ونأمل أن تكون الإجابة في صالح الحرية والديمقراطية.
الحرية للصحافة، والكرامة للجزائر.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …