‫الرئيسية‬ الأولى “لسنا بحاجة إليكم”
الأولى - الافتتاحية - 26 نوفمبر، 2024

“لسنا بحاجة إليكم”

"لسنا بحاجة إليكم"
سمعت الرئيس تبون على الأقل ثلاث مرات يقول: “لسنا بحاجة إليكم”، ومن الواضح لأي متتبع أنه يقصد فرنسا. هذه العبارة، التي تُعتبر الأولى من نوعها لرئيس جزائري تُقال علناً وبصوت عالٍ، تحمل رسالة صريحة وواضحة وصلت بالتأكيد إلى من يعنيهم الأمر. وبهذه الرسالة، يبدو أنها تسببت في قلق كبير لدى فرنسا، وهو قلق يمكن اعتباره أحد الأسباب الرئيسية وراء توجه فرنسا الواضح لدعم الأطروحات المغربية فيما يتعلق بالصحراء الغربية. أو ربما، يمكن القول إن فرنسا قد أفصحت عن موقفها الحقيقي في هذا الملف، بعدما جفّت منابع المصالح الاقتصادية التي كانت تحصل عليها من الجزائر لإنقاذ اقتصادها المتراجع.

مع تصاعد التوتر، نشط جناح اليمين المتطرف في فرنسا، الذي يمثل امتداداً شبه عسكري للنهج الاستعماري. هذا التيار يقوده شخصيات معروفة مثل السفير السابق كزافيي دريانكور، ومن خلفه برنار هنري ليفي، الذي تعود أصوله إلى مدينة بني صاف. بطبيعة الحال، عاد هؤلاء إلى الواجهة للدفاع عن بوعلام صنصال، الذي يحمل جنسية مزدوجة جزائرية-فرنسية، وأصوله مغربية، والذي أظهر جهلًا واضحًا بالتاريخ والجغرافيا.

منذ أن أصبح عبد المجيد تبون رئيسًا للجزائر، تغيّرت طبيعة العلاقات مع فرنسا بشكل جذري. فقدت الجزائر الحماس في التعامل مع باريس، لأسباب متعددة منها الموضوعية والذاتية. على الصعيد الموضوعي، يذكر الجميع كيف تم تبديد مليارات الدولارات من أموال الجزائريين خلال عهد بوتفليقة، وكيف أصبحت باريس ملاذاً آمناً للفاسدين الجزائريين الذين فروا من العدالة الجزائرية. ورغم وجود مذكرات توقيف دولية ضدهم، ترفض فرنسا تسليمهم. هذا السلوك الفرنسي يعكس تواطؤاً واضحاً مع الفساد الذي أضر بالجزائر.

الرئيس تبون أوقف النزيف المالي باتجاه باريس، وفرض تدقيقاً صارماً على الفواتير التي كانت تمثل في الواقع “هدايا مالية” للاقتصاد الفرنسي على حساب الشعب الجزائري. تلك السياسات أسهمت في حماية مدخرات الجزائر التي كانت مهددة بالإفلاس، كما أشار إلى ذلك أحد رؤساء الحكومة السابقين.

أما الأسباب الذاتية فتعود إلى القيادة الجزائرية الحالية، التي يتصدرها الرئيس تبون، وتتمتع بفكر وطني خالص. هذا الفريق يسعى لحماية مصالح الشعب الجزائري ووضعها في مقدمة الأولويات، ما يعكس إرادة سياسية واضحة في التحرر من النفوذ الفرنسي وتوسيع دائرة الخيارات الاستراتيجية.

عبارة “لسنا بحاجة إليكم” لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل تحمل دلالة استراتيجية عميقة. تعكس هذه العبارة تحول الجزائر إلى دولة ذات سيادة فعلية، قادرة على تنويع شراكاتها الدولية وتأمين احتياجاتها من مختلف بلدان العالم، سواء في مجالات السلع، أو الخدمات، أو التسليح. وعلى أرض الواقع، تجسدت هذه السياسة تدريجياً، ما أدى إلى تفاقم القلق الفرنسي، خصوصاً في ظل قضايا مثل ملف بوعلام صنصال. هذا الشخص، الذي قدمت له الجزائر كل الفرص، اختار الرد بالنكران، متجاهلاً حتى حقائق تاريخية ثابتة مثل دور الأمير عبد القادر، الذي حارب الاستعمار الفرنسي بصفته جزائرياً، واعتزاز أحفاده باسم “الجزائري”.

بوعلام صنصال، رغم أنه لا يحظى بقبول كبير لدى اليمين المتطرف الفرنسي بسبب أصوله، يُستغل اليوم كأداة لمهاجمة الجزائر. هذا التيار، الذي يمثل مصالح الكولون والهيمنة الاستعمارية، لا يزال غير قادر على تقبل استقلال الجزائر ورغبتها في الانعتاق من النفوذ الفرنسي.

الجزائر، ولحسن الحظ، تزخر بملايين أبنائها المنتشرين في مختلف أنحاء العالم. رغم اختلاف بعضهم مع الحكومة الجزائرية في إطار المعارضة السياسية، فإن أغلبهم يحمل ولاءً عميقاً لوطنهم. هؤلاء يختلفون جذرياً عن نموذج “المسخ الثقافي” الذي يمثله بوعلام صنصال، والذي ارتكب خيانة عظمى بحق الجزائر عندما طعن في حدودها التاريخية والأزلية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…