عصب الحرب
عندما تحدث الرئيس عبد المجيد تبون أمام السينمائيين، مشددًا على أن الدولة توفر الأموال لدعم أعمالهم وإبداعاتهم، واصفًا ذلك بـ “عصب الحرب”، كان محقًا في ذلك. فالثقافة تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل الوعي العام للمواطن الجزائري، وهي التي ترسّخ هويته وتصقل شخصيته. بدون الإعلام، السينما، الكتب، المسرح، والغناء، تصبح الهوية الجزائرية عرضة للتشويش والطمس. ونتذكر هنا عبقرية الراحل دحمان الحراشي الذي استطاع عبر أغنيته “يا الرايح” أن يُعرّف العالم بالجزائر، حيث أصبحت تُعزف وترقص على أنغامها في مختلف الدول، لتكون مثالًا على قوة الثقافة في ترسيخ هوية الوطن.
الحروب الحديثة لم تعد تقتصر على المواجهات العسكرية، بل أصبحت تستهدف الهوية الوطنية، لأنها تدرك أن ضرب الهوية يُضعف الانتماء للوطن، ويفكّك الشعور بالانتماء إلى تاريخ ضارب في العمق، سبق وجود العديد من الدول الحديثة العهد. إن “عصب الحرب” الحقيقي هو الدعم المالي للإعلام والإنتاج الثقافي بكل أشكاله، لأن الجزائر واحدة من أغنى الدول ثقافيًا وأكثرها تنوعًا، مما يستوجب تعزيز هذه الثروة وإبرازها للحفاظ على التماسك الوطني في وجه محاولات التخريب التي نشهدها يوميًا.
الإعلام، بما في ذلك الصحافة المكتوبة، جزء أساسي من هذا البناء. فالمحافظة على الهوية الوطنية تتطلب تمويلًا مستدامًا وقرارًا سياسيًا شجاعًا، لأن الصحافة ليست مشروعًا تجاريًا يحقق أرباحًا سريعة، بل استثمار طويل الأمد في بناء مجتمع واعٍ، صاحب فكر مستقل، يمتلك بوصلة سليمة توجهه نحو الطريق الصحيح. في ظل التدفق السريع للمعلومات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح من الضروري وجود إعلام قوي قادر على مواجهة التحديات وحماية الرأي العام من الضياع والتيه.
انطلاقًا من هذا الإيمان العميق بأهمية الإعلام في ترسيخ الهوية الوطنية، جاءت مبادرة تأسيس جريدة “المؤشر”، كمحاولة لإرساء بوصلة وطنية تعطي للمواطن الجزائري الاتجاه الصحيح، وتساهم في صناعة وعي مسؤول قادر على الدفاع عن الجزائر في مختلف المجالات. لكن هذه التجربة، رغم طموحها الكبير، لن يُكتب لها النجاح دون “عصب الحرب” الذي أشار إليه الرئيس تبون، وهو التمويل الضروري لاستمرار أي مشروع إعلامي جاد.
في الجزائر، “عصب الحرب” بالنسبة للإعلام يتجسد في الإشهار العمومي، الذي تحتكره الدولة، وتدرك جيدًا أن أي صحيفة لا يمكنها البقاء دون هذا الدعم. ومع ذلك، فإن جريدة “المؤشر” لم تحظَ حتى الآن بنصيبها من الإشهار العمومي، في ظل غياب الشفافية، وحالة من الغموض والقيل والقال التي تجعل من الصعب فهم الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
رغم كل هذه التحديات، تواصل “المؤشر” نضالها لإثبات مكانتها في المشهد الإعلامي الجزائري، مؤمنة بأن الوطنية والإرادة وحدهما لا يكفيان، بل إن الإعلام بحاجة إلى دعم فعلي وحقيقي ليستمر ويؤدي دوره كما يجب.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…