‫الرئيسية‬ الأولى الصين تُكشّر عن أنيابها
الأولى - الدولي - مقالات - 2 مايو، 2025

الصين تُكشّر عن أنيابها

الصين تُكشّر عن أنيابها
لأول مرة في التاريخ المعاصر، يرى العالم وجهًا جديدًا للصين يرتسم على الساحة الدولية. فبعد أن كانت تُعرف كبلدٍ منزوي، مهتم فقط بشؤونه الداخلية ومصالحه الوطنية، بعيدًا عن الصراعات والمواجهات المباشرة، قررت اليوم أن تدخل العلن إلى حلبة الصراع العالمي، وهو صراع كان للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دور كبير في تأجيجه. وربما، paradoxically، سيكون له الفضل في إيقاظ تلك القوة الصينية “الناعمة” التي ظلت نائمة لسنوات.

بدأت شرارة المواجهة عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية مهينة على الصين، لتأتي بعدها الردود الصينية الحازمة، مباشرة وصارمة. رفضت بكين الانصياع للإملاءات الأمريكية، وردّت بالمثل. وقد استشهدت في خطابها السياسي بمقطع نادر للزعيم الراحل ماو تسي تونغ خلال فترة الحرب الكورية، محذرًا الولايات المتحدة من عواقب الاستخفاف بالصين.

ولأول مرة، ترد الصين بهذه السرعة والوضوح في مختلف المجالات: من إلغاء اتفاقيات مع شركة بوينغ، إلى وقف استيراد المواد الفلاحية من الولايات المتحدة، مرورًا بفرض رسوم جمركية مقابلة على البضائع الأمريكية، وصولًا إلى منع بعض الواردات مثل اللحوم. كل هذه الخطوات لم تكن متوقعة بالنسبة للبيت الأبيض، خاصةً قرار سحب الاستثمارات الصينية من السوق الأمريكية، واحتمال تصفية الصين لحيازتها من سندات الخزينة الأمريكية، وهو سيناريو يثير قلقًا كبيرًا في وول ستريت.

لكن ما يحدث اليوم لم يأتِ ارتجالًا. فقد خطّطت له بكين بدقة منذ سنوات، مستغلة الوقت لسد الثغرات التي كانت واشنطن تستغلها للضغط عليها. من أبرز هذه الثغرات: تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية المتقدمة. في صمت، أسست الصين أكبر مركز أبحاث متخصص في هذا المجال، يضم آلاف المهندسين، ونجحت في تطوير أدوات إنتاج مستقلة، لتتجاوز بذلك الحظر الأمريكي والأوروبي (خاصة الهولندي) على تصدير تلك التقنيات الحساسة.

ولعل ما يؤكد جدية الصين في تحصين نفسها، هو التوصية الأمريكية الأخيرة لتايوان بحرق مصانع إنتاج الشرائح الإلكترونية في حال تعرضها لهجوم صيني، وهي توصية تكشف أهمية هذه الورقة في الصراع الدائر. لكن بعد التطورات الصينية الأخيرة، يبدو أن أمريكا فقدت ورقة ضغطها الأهم، مع اقتراب بكين من الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الاستراتيجي.

الصين لم تكتفِ بمجرد التصريحات والرسوم الانتقامية، بل عززت موقعها عبر تخفيض اعتمادها على الغاز الأمريكي المسال، وفضح الأسعار الحقيقية لإنتاج السلع الفاخرة الغربية من خلال منصة “تيك توك”، في معركة إعلامية واقتصادية لا تقل أهمية عن المواجهات الجيوسياسية.

أما على المستوى العسكري، فالصين تسابق الزمن. من تطوير القنبلة الهيدروجينية دون إشعال نووي، إلى الصواريخ الفرط صوتية، وحاملات الطائرات، والطائرات المدنية الفائقة السرعة التي تنافس “بوينغ” و”إيرباص”، تؤكد الصين أنها لا تترك ثغرة يمكن أن تنفذ منها الضربات الغربية.

كل هذا جعل إدارة ترامب، ومن بعدها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في موقف حرج يصعب الخروج منه مرفوعي الرأس، كما كانت عنجهيتهم تُوهمهم سابقًا.

المؤكد أن موقف الصين سيعزز ثقة شركائها الذين طالما همسوا في السر بأن حليفهم الآسيوي لا يجرؤ على المواجهة، ليجدوا اليوم في بكين قوة قادرة على الوقوف في وجه الغطرسة الغربية، وبعزم لا يلين.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…