‫الرئيسية‬ الأولى دو فيلبان يكشف المستور: روتايو…رجل بلا مشروع
الأولى - الدولي - مقالات - 26 مايو، 2025

دو فيلبان يكشف المستور: روتايو…رجل بلا مشروع

دو فيلبان يكشف المستور: روتايو...رجل بلا مشروع
يُقدَّم برونو روتايو اليوم كأحد أكثر الشخصيات السياسية بروزًا في فرنسا، ليس فقط لكونه وزير الداخلية الحالي، ولكن لأنه أصبح فجأة «الحل» الذي يعرضه اليمين الفرنسي لمواجهة التحديات القادمة، وعلى رأسها رئاسيات 2027.

لكن خلف هذه الهالة الإعلامية، وفي ظل التصفيق المصنوع في غرف استطلاعات الرأي، يقف رجل لم ينجح في بناء مسيرته السياسية إلا على حساب المهاجرين، والجزائر، والمسلمين، وكل ما يمكن أن يُستغل في تغذية خطاب الانقسام والخوف.

روتايو لم يأتِ من فراغ، بل من مجلس الشيوخ، حيث ظل لسنوات يرأس كتلة اليمين الجمهوري (LR) دون أن يثير أي ضجيج أو يقدم أي طرح فكري حقيقي. لم يكن يُنظر إليه باعتباره رجل مشروع، ولا زعيمًا سياسيًا من طينة الكبار. لكنه فجأة، ومع اقتراب نهاية ولاية إيمانويل ماكرون، قفز إلى الواجهة. لا بسبب إنجازات أو أفكار، بل لأن المناخ الفرنسي بات مهيئًا لكل من يرفع شعارات العداء للمهاجرين، والتشكيك في ولاء المسلمين، وتحميل الجزائر مسؤولية فشل السياسات الفرنسية في الضواحي.

منذ وصوله إلى وزارة الداخلية، لم يترك روتايو مناسبة إلا واستغلها لمهاجمة الجزائر، سواء عبر تصريحات مباشرة، أو من خلال سن قوانين وتشريعات تضيّق الخناق على أبناء الجالية الجزائرية. وكأن الجزائر أصبحت الشماعة التي يعلق عليها إخفاقات فرنسا في إدماج سكانها، وفي معالجة مشكلات الهوية والانتماء.

روتايو، وهو الذي لم يزر الجزائر يومًا، ولا يعرف تعقيدات العلاقات التاريخية بين البلدين، يقدم نفسه اليوم كمنقذ للجمهورية من «الخطر الجزائري»، في تكرار باهت لخطاب اليمين المتطرف، ولكن بربطة عنق جمهورية.

إن موقفه العدائي تجاه الجزائر ليس موقفًا عرضيًا، بل هو توجه استراتيجي مدروس، يهدف إلى كسب أصوات اليمين المتطرف من جهة، ومحاولة سحب البساط من تحت أقدام مارين لوبان من جهة أخرى. لكنه لا يدرك أن اللعب بالنار في ملف مثل ملف الجزائر قد تكون له تبعات دبلوماسية واقتصادية وأمنية لا تُحمد عقباها.

روتايو لا يكتفي بعدائه للجزائر، بل وسّع نطاق استهدافه ليشمل كل ما يتعلق بالمهاجرين، وبالخصوص المسلمين. ففي كل خطاب، في كل خروج إعلامي، لا بد أن يتطرق إلى «الإسلاموية»، إلى «التهديد الديموغرافي»، إلى «الخطر الثقافي»، حتى وإن لم يكن لذلك أي علاقة بالملف الذي يُناقش.

لكن، حين يُسأل عن إنجازاته الفعلية كوزير للداخلية، بعيدًا عن هذه «المعارك الهووية»، لا يجد ما يقدمه سوى شعارات وبلاغات فارغة. فلا الأمن تحسن، ولا الجريمة انخفضت، ولا ضواحي المدن استعادت هدوءها.

لم يكن غريبًا أن يخرج دومينيك دو فيلبان، أحد رجال الدولة الفرنسيين المحترمين، ليُعرّي روتايو أمام الرأي العام. ففي تصريح لاذع قال: “من السهل أن تلهي الناس بالأجانب والمهاجرين… لكن قم بعملك أولاً!”. هذه الجملة تختصر كل شيء. روتايو لا يحكم، لا يبني، لا يُصلح… بل فقط يُحرّض ويُقسّم ويُراكم النقاط الانتخابية على ظهر الأضعف.

وحين وصفه دو فيلبان بأنه لا يختلف في شيء عن مارين لوبان، لم يكن ذلك مجرد تشبيه سياسي، بل تأكيد على أن الخطاب الشعبوي العدائي أصبح مكوّنًا رئيسيًا في مشروع روتايو.

يعتقد البعض أن روتايو يسير على خطى نيكولا ساركوزي، الذي استخدم وزارة الداخلية منصة للوصول إلى الإليزيه سنة 2007. لكن المقارنة هنا مجحفة. فحتى مع كل الانتقادات لساركوزي، لم يكن مشروعه السياسي قائمًا فقط على الهجرة والدين، بل قدم سياسات إصلاحية واقتصادية وخطابًا موجهًا لجميع الفرنسيين.

روتايو، على النقيض، اختار طريقًا سهلاً وخطيرًا، اللعب على وتر الخوف، تغذية التناقضات، وتشجيع الانقسام داخل المجتمع الفرنسي. إنه باختصار يعكس أزمة الطبقة السياسية الفرنسية، التي أصبحت ترى في شيطنة الآخر وسيلة للوصول إلى السلطة، بدل بناء مشروع وطني حقيقي.

في ظل ما تمر به فرنسا من أزمات متعددة – اقتصادية، اجتماعية، وهوياتية – فإن ما تحتاجه الجمهورية اليوم ليس وزيرًا يتحول إلى مرشح متطرف، بل رجال دولة يؤمنون بوحدة المجتمع، ويحترمون التزامات فرنسا الدولية، وعلى رأسها علاقتها مع الجزائر والجاليات المغاربية.

روتايو قد يكون نجم المرحلة، لكن التاريخ لن يرحم السياسيين الذين استثمروا في الكراهية من أجل سلطة عابرة. وإذا لم توقفه الجزائر، وإذا لم يقف المهاجرون في وجهه، فإن من المؤكد أن رجلًا مثل دومينيك دو فيلبان، المحترم من قبل جميع أطياف الشعب الفرنسي، سيفعل. وقد تكون مفاجأة 2027 أن يُهزم من يتحدث باسم فرنسا، على يد من يتحدث باسم قيم الجمهورية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…