أمريكا تدخل على الخط لمحاولة احتواء الغضب الروسي بعد ضربة العمق
الهجوم الأوكراني على العمق الروسي في الساعات الأخيرة أربك الحسابات وأثار الجدل في العواصم الغربية والشرقية. ففي ضربة نوعية، استهدفت كييف مواقع عسكرية استراتيجية بعيدة داخل روسيا، ما دفع موسكو إلى التفكير برد غير تقليدي، وربما نووي.
بعد مرور 48 ساعة على الضربة الأوكرانية التي استهدفت مناطق استراتيجية في العمق الروسي، بما في ذلك تدمير عدد من الطائرات بعيدة المدى المرابطة في قواعد بعيدة عن خط التماس مع أوكرانيا، بدا أن موسكو تعيش صدمة حقيقية. فقد تمكنت كييف، وفق مصادر عسكرية، من تنفيذ عملية نوعية استغرقت 18 شهراً من التحضير، في تطور غير مسبوق في سير الحرب.
هذه الضربة العميقة زعزعت ثقة روسيا في منظومتها الدفاعية وأثارت تكهنات واسعة بإمكانية لجوئها إلى الرد الحازم، بل واحتمال استخدام السلاح النووي التكتيكي، خاصة مع تحريك منظومة صواريخ “أوروشنيك” القادرة على حمل رؤوس نووية. ويرى مراقبون أن هذا التحرك لا يُعدّ غريبًا، بالنظر إلى العقيدة الدفاعية الروسية التي تعتبر الرد النووي التكتيكي مشروعًا في حال وقوع اعتداء مباشر على سيادتها.
وما زاد الطين بلة هو اعتراف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمسؤولية بلاده عن الهجوم، وهو ما يُعدّ سابقة خطيرة تعطي لموسكو مبررًا قانونيًا وأخلاقيًا للرد بما تراه مناسبًا، دفاعًا عن كرامتها وهيبتها العسكرية.
رغم فداحة الحدث، فضّلت روسيا حتى الآن الصمت الحذر، وواصلت مشاركتها في مفاوضات السلام الجارية في تركيا، سعيًا للوصول إلى تسوية دائمة، في موقف فاجأ العديد من المراقبين. في الجولة الثانية من المحادثات، طرحت موسكو شروطها لوقف القتال، لكن الأوروبيين، وخاصة بريطانيا، يعارضون وقف الحرب ويعملون – وفق مصادر دبلوماسية – على الدفع نحو مواجهة طويلة بين روسيا وحلف الناتو.
السلوك البريطاني المقلق – من خلال تعزيز الوجود العسكري قرب الحدود الروسية – زاد من المخاوف بشأن اندلاع مواجهة إقليمية واسعة قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة.
من جانبها، دخلت واشنطن على الخط، في محاولة لتهدئة موسكو واحتواء أي رد محتمل قد يؤدي إلى تصعيد كارثي. لكن روسيا لا تزال تدرس الموقف، وتعمل على تحليل مدى التورط الغربي في العملية، من حيث الدعم الاستخباراتي والتقني، قبل أن تتخذ قرارها النهائي بشأن طبيعة الرد وحجمه.
تشير معلومات استخباراتية إلى أن العملية الأوكرانية اعتمدت على شبكات نائمة من لاجئين أوكرانيين داخل روسيا، تم تجنيدهم وتفعيلهم لزرع الفوضى، وتمكنوا من الوصول إلى معلومات حساسة ساعدت في استهداف طائرات “توبوليف 195” الاستراتيجية، التي تعد من مفاخر سلاح الجو الروسي.
الأرقام التي تداولتها كييف حول تدمير 41 طائرة روسية لا تبدو دقيقة، إذ تشير مصادر روسية إلى تضرر 11 طائرة فقط، وهو رغم ذلك عدد كبير، خاصة أن هذا النوع من الطائرات يُصنّع بصعوبة نتيجة العقوبات الغربية، التي منعت تصدير الشرائح الإلكترونية اللازمة لصناعتها.
لقد أحدث الهجوم الأوكراني على العمق الروسي صدمة كبيرة في الأوساط العسكرية بموسكو، روسيا الآن أمام معادلة معقدة، هل تستجيب لنداءات التهدئة، خاصة من بعض الأوساط الأمريكية المقربة من دونالد ترامب، مقابل ضمانات دولية تلزم أوكرانيا بقبول شروط السلام؟ أم أن موسكو ستختار التصعيد واستعراض عضلاتها العسكرية لمعاقبة كييف ومن خلفها الناتو؟
لجنة التحقيق الروسية أكدت أن القرار بالهجوم اتُّخذ على أعلى مستوى في القيادة الأوكرانية، ما قد يعرض تلك القيادات للملاحقة الجسدية في أي مكان، وفق التهديدات الروسية الضمنية.
الضربة الأوكرانية للعمق الروسي غيّرت قواعد اللعبة، وأعادت شبح المواجهة الشاملة إلى الواجهة. الغرب يتأرجح بين دعم كييف والتهرب من صدام مباشر مع موسكو، بينما تترقّب روسيا اللحظة المناسبة للرد، على طريقتها الخاصة. الأيام القادمة ستكون حاسمة في رسم معالم مرحلة جديدة من الحرب، إما نحو التصعيد الخطير، أو نحو اتفاق سلام بشروط روسية صارمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء
صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…