‫الرئيسية‬ الأولى وزيرة فرنسية سابقة تقود حملة ضغط أوروبية ضد القضاء الجزائري؟!
الأولى - الحدث - الوطني - مقالات - 11 يونيو، 2025

وزيرة فرنسية سابقة تقود حملة ضغط أوروبية ضد القضاء الجزائري؟!

وزيرة فرنسية سابقة تقود حملة ضغط أوروبية ضد القضاء الجزائري؟!
لم يكن اعتقال الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال في نوفمبر 2024 مجرّد إجراء قضائي معزول في سياق قانوني واضح المعالم؛ بل تحوّلت القضية سريعًا إلى ورقة ضغط سياسي جديدة تستعملها دوائر نافذة في أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، من أجل ممارسة نوع من الابتزاز العلني ضد الجزائر. فبينما أُدين الكاتب بخمس سنوات سجنًا من طرف القضاء الجزائري بتهم تتعلق بـ”المساس بوحدة الدولة”، انطلقت آلة إعلامية وحقوقية غربية لتقديمه على أنه “سجين رأي”، ضاربة عرض الحائط باستقلالية القضاء الجزائري، ومتجاهلة كل الخلفيات التي تُحيط بهذه القضية، التي تتجاوز شخص الكاتب لتكشف عمق الفجوة بين الجزائر الرسمية ومحيطها الأوروبي المأزوم.

بوعلام صنصال ليس مجرد روائي يشتغل في الحقل الثقافي، بل هو – في جوهر خطابه – حامل لرؤية سياسية لطالما اصطدمت مع الرؤية الوطنية الجزائرية. فقد عُرف في الأوساط الأدبية بمواقفه “التصالحية” مع الرواية الاستعمارية، خاصة حين اعتبر أن الاستعمار الفرنسي لم يكن كله “سلبًا”، وهو الموقف الذي أثار جدلًا واسعًا، خصوصًا حين أعلن صراحة عن تأييده للعلاقات المغربية الإسرائيلية، وانتقد موقف الجزائر الداعم للقضية الفلسطينية.

وفي مقابلات عديدة نُشرت في الصحافة الفرنسية، لا سيما في Le Point وLe Monde, لم يتردد صنصال في مهاجمة الثوابت الوطنية الجزائرية، مشككًا في شرعية النضال التحرري، وذاهبًا إلى حد الترويج لفكرة أن “الجزائر هي صنيعة استعمارية فرنسية”، وهي تصريحات لا يمكن أن تمر دون مساءلة، خصوصًا في سياق سياسي إقليمي دقيق، حيث تواجه الجزائر تحديات أمنية وهجمات إعلامية منظمة.

بعد صدور الحكم القضائي، تحركت مجموعات ضغط سياسية وثقافية في فرنسا وبلجيكا، تتقدمها الوزيرة الفرنسية السابقة نويل لونوار، التي ترأس “لجنة دعم بوعلام صنصال”. وقد طالبت هذه اللجنة، وفق ما نقلته وكالة Euronews ، بتفعيل بند “الشرطية الحقوقية” المضمن في اتفاق الشراكة الاقتصادية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، لإجبار الجزائر على الإفراج عن الكاتب، متناسية أن هذا الأخير قد حُوكم بموجب قانون وطني، في دولة ذات سيادة، لا تخضع لوصاية لا ثقافية ولا قانونية.

ولم يقف الأمر عند حدود المبادرات الفردية، بل وصل إلى البرلمان الأوروبي، الذي صادق في يناير 2025 على لائحة تطالب بـ”الإفراج الفوري عن صنصال”، واصفًا محاكمته بـ”الانتهاك الخطير لحرية التعبير”. وهو ما اعتبرته الجزائر، عبر عدة نواب في البرلمان الوطني، “تدخلًا سافرًا في الشؤون القضائية لدولة ذات سيادة”، مؤكدين أن القضية جنائية بالدرجة الأولى، ولا علاقة لها بالإنتاج الأدبي أو الموقف السياسي.

الغريب في هذا المشهد أن الجهات ذاتها التي ترفع عقيرتها اليوم للدفاع عن صنصال، صمتت دهورًا إزاء اعتقال صحفيين ومثقفين حقيقيين في دول مجاورة أو حليفة لفرنسا، مثل الإمارات، التي اعتقلت الباحث أحمد منصور، أو السعودية التي سجنت لسنوات طويلة الشاعر أشرف فياض. لم نسمع أي لائحة في البرلمان الأوروبي، ولا أي مقال افتتاحي في Le Figaro أو Libération عندما تعلق الأمر بكتاب ينتقدون التطبيع أو الاحتلال الإسرائيلي. أما الجزائر، التي اختارت أن تظل على خطها السيادي والمبدئي، فيُعتبر أي قرار قضائي فيها “قمعًا” و”سلطوية”، فقط لأنها لا تُجاري الخط الأوروبي المتقلب.

ليست كل الأصوات في أوروبا متفقة على هذه “الحملة المسيسة”. فقد عارضت النائبة الفرنسية رما حسن (La France Insoumise) هذا الضغط الممارس على الجزائر، معتبرة أن البرلمان الأوروبي “ينحرف عن مبادئه عندما يستعمل الشعارات الحقوقية لتصفية حسابات سياسية”. كما عبّر عدد من الحقوقيين، من بينهم الباحث البلجيكي Jean Bricmont، عن مخاوفهم من تحوّل الاتحاد الأوروبي إلى أداة دعائية بيد بعض الحكومات التي تتبنى أجندات معادية لسيادة الدول خارج المجال الأوروبي.

القضية لا تتعلق بصنصال وحده، بل هي جزء من سياق أوسع يشمل علاقة مشحونة بين الجزائر وفرنسا، خاصة بعد تصريحات الرئيس ماكرون عام 2021 حول “عدم وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار”، والتي قابلتها الجزائر برد دبلوماسي حازم، وسحب لسفيرها لعدة أسابيع. كما تتزامن هذه الحملة مع استمرار التوتر بشأن رفض الجزائر الانخراط في مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما يثير غضب بعض دوائر القرار في أوروبا، التي تسعى لفرض نموذج “التحول الليبرالي الكامل”، حتى ولو بالقوة الناعمة.

الجزائر، التي دفعت مليون ونصف مليون شهيد لتنال حريتها، لا تقبل اليوم أن توضع على مقصلة التقييم من نواب أوروبيين لم يُعرف عنهم الانتصار لمظلوم، إلا إذا صادف أن هذا “المظلوم” يتقاطع مع مشاريعهم. بوعلام صنصال يُحاكم بصفته مواطنًا خاضعًا لقانون بلاده، لا بصفته كاتبًا يحمل جنسية مزدوجة. أما أوروبا، التي لا تزال تُعاني من عقدة “الهيمنة الثقافية”، فعليها أن تدرك أن زمن الوصاية قد انتهى. فالسيادة الوطنية ليست شعارًا في الجزائر؛ إنها مبدأ يُدافع عنه بالقانون، بالحجة، وبالكرامة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!

تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…