رفع المنحة السياحية… قرار رئاسي معلق بين دفاتر القانون ومفاتيح بنك الجزائر!
مرّت أكثر من ثمانية أشهر على إعلان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 8 أكتوبر 2024، عن قرار رفع المنحة السياحية إلى 750 يورو لكل مسافر جزائري بالغ، و300 يورو لكل مسافر قاصر. ورغم إدراج القرار رسميًا في قانون المالية لسنة 2025، الذي صادق عليه البرلمان ونُشر في الجريدة الرسمية، إلا أن التنفيذ الفعلي لا يزال معلقًا؛ الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات، وأعاد إلى الواجهة إشكالية التنسيق المؤسساتي في البلاد.
وزارة المالية أوضحت، على لسان الوزير عبد الكريم بو الزرد، خلال جلسة علنية بالمجلس الشعبي الوطني، أن تطبيق القرار ليس من صلاحيات الوزارة، بل يدخل ضمن اختصاص بنك الجزائر. وأضاف الوزير، في رده على سؤال شفهي، أن قطاعه أشرف على تهيئة الظروف اللوجستية اللازمة لتجسيد القرار، خاصة على مستوى إدارات الجمارك في المعابر الحدودية. إلا أنه شدّد على أن تحديد آليات التطبيق وتاريخ البدء بالتحويل المالي هو من مسؤولية بنك الجزائر حصريًا.
هذا التصريح، وإن جاء ليوضح جوانب تقنية، إلا أنه فتح الباب أمام جدل أوسع حول فعالية مؤسسات الدولة في تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية. فحين يُعلن أعلى هرم في السلطة عن إجراء سيادي يدخل حيز التنفيذ من خلال قانون مالية مصادق عليه، فإن تأخر تطبيقه يضعف ثقة المواطن في مصداقية الإجراءات، ويطرح تساؤلات جوهرية عن مدى الانسجام بين السلطات السياسية والهيئات المالية المستقلة.
المنحة السياحية، في صيغتها الجديدة، لا تمثل مجرد زيادة رقمية؛ بل هي مؤشر على محاولة الدولة استرجاع جزء من كرامة المواطن خارج الوطن، والحد من التوجه إلى السوق الموازية للحصول على العملة الصعبة. فالمنحة الحالية، البالغة 15 ألف دينار جزائري فقط (ما يعادل نحو 100 يورو)، لم تعد تلبي الحد الأدنى من احتياجات السفر، لا سيما في ظل الارتفاع الكبير في تكاليف الإقامة والتنقل والمعيشة في الخارج. وهو ما يجعل التأخر في تطبيق المنحة الجديدة استمرارًا لحالة من الإقصاء غير المباشر للجزائري من أبسط حقوقه كمواطن مسافر.
ورغم تبنّي الحكومة للقرار ودمجه في مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي حظي بالمصادقة النهائية من قبل البرلمان بغرفتيه، لا يزال بنك الجزائر متأخرًا في إصدار النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه فعليًا.. واكتفى المسؤولون بالإشارة إلى أن “الإجراءات ستنطلق قريبًا”، دون إعطاء توضيحات دقيقة حول أسباب التأخير. هذا الغموض في التواصل زاد من تذمر المواطنين، وفتح الباب أمام الشائعات والقراءات المتضاربة.
الواقع أن هذا الملف يعكس أحد أبرز مظاهر التعطيل البيروقراطي في الجزائر، ويُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في آليات التنسيق بين الرئاسة، الحكومة، والبنك المركزي. فاستقلالية بنك الجزائر، التي نص عليها القانون، لا تعني تعطيل قرارات سيادية صادرة من مؤسسة الرئاسة ومكرّسة في قوانين الدولة.
لا يتعلق الأمر فقط بمنحة سياحية، بل بمبدأ احترام قرارات الدولة وتنفيذها ضمن آجال معقولة. تأخر التنفيذ يعكس خللًا في منظومة القرار، ويمسّ مباشرة بثقة المواطن في مؤسسات بلده. وعليه، فإن التحدي الأكبر اليوم لا يكمن في تخصيص المبلغ، بل في إثبات قدرة مؤسسات الدولة على تفعيل ما تصادق عليه، دون مزيد من التأجيل والمبررات الإدارية. فإلى متى تبقى المنحة حبيسة النصوص، والسفر مشروطًا بسوق العملة الموازية؟ وأي رسالة نوجهها للعالم حين تعجز مؤسساتنا عن تنفيذ قرار بسيط من رئيس الجمهورية؟ الأسئلة كثيرة… والإجابات، للأسف، ما زالت مؤجلة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…