‫الرئيسية‬ الأولى إسرائيل فوق القانون… وروسيا تحت المقصلة!
الأولى - الدولي - مقالات - 2 يوليو، 2025

إسرائيل فوق القانون… وروسيا تحت المقصلة!

إسرائيل فوق القانون... وروسيا تحت المقصلة
من الصعب على أي إنسان سويّ وعاقل ألّا يلاحظ حجم الخلل العميق في النظام العالمي الحالي، الذي فقد بوصلته، وبدأ يتجه بخطى ثابتة نحو الهاوية. عالم يفرض أكثر من عشرين ألف عقوبة على روسيا، بينما لا يجرؤ على فرض حتى عقوبة رمزية واحدة على إسرائيل، رغم ما ترتكبه يوميًا من جرائم حرب ضد الفلسطينيين، واعتداءات مفضوحة على دول أخرى كلبنان وسوريا، بل وحتى إيران التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات.

المفارقة الصارخة هي أن هذا الغرب نفسه، هو من ساهم في إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا، بعد أن أفشل اتفاقًا كان على وشك إنهاء الصراع مبكرًا. فقد كشفت تقارير مؤكدة أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، تسلل إلى كييف ليلًا ليمنع الرئيس الأوكراني زيلينسكي من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا. اتفاق كان من شأنه إنقاذ الآلاف من الأرواح، وربما تجنيب أوروبا بأكملها الانزلاق نحو كارثة ممتدة.

الأدهى من ذلك، أن الاتحاد الأوروبي عيّن مسؤولة على رأس سياسته الخارجية فقط لأنها تحمل عداءً واضحًا تجاه روسيا. لا تفوّت فرصة دون مهاجمة موسكو، ولا تتردد في الدعوة إلى فرض المزيد من العقوبات، بل وتفكر جديًا في معاقبة دول أخرى فقط لأنها اختارت الحفاظ على علاقات اقتصادية أو دبلوماسية مع روسيا. مسؤولة يبدو أن مهمتها الحقيقية ليست الدفاع عن أوروبا أو عن السلم العالمي، بل شيطنة روسيا ومحاربة كل ما يتصل بها.

لكن المفارقة المؤلمة هي أن هذا الحماس الغربي يختفي كليًا حين يتعلق الأمر بإسرائيل. نفس الدول التي لا تتسامح مع تحرك روسي داخل أراضي جارتها، تبتلع ألسنتها أمام طائرات الاحتلال التي تقصف غزة، وتغتال في لبنان، وتقصف أهدافًا في سوريا، وتهدد إيران بحرب شاملة، وتتوعد كل دولة أو جهة تتضامن مع الفلسطينيين. ولا تصدر حتى ملاحظة دبلوماسية شكلية من العواصم الغربية.

هذه الازدواجية الصارخة في المعايير لن تمرّ دون كلفة. فالكثير من الدول، وخاصة في الجنوب العالمي، لم تعد تثق في هذا الغرب الذي فقد كل مصداقية. عالم لا يرى مشكلة في قتل العرب والمسلمين، بل يبرّرها، ويدعم القتلة بالأسلحة والمال والدبلوماسية. لكنه يثور غضبًا حين تتقدم روسيا دفاعًا عن أمنها القومي، بعدما جُربت معها كل حيل الخداع والمراوغة.

ما أنقذ روسيا، حتى الآن، هو امتلاكها لقوة ردع حقيقية، وسلاح استراتيجي يحول دون مصير شبيه بما حلّ بليبيا أو العراق أو يوغوسلافيا. لكن العالم لا يُبنى على التوازن بالسلاح فقط؛ فحين تفقد العدالة الدولية معناها، وتصبح المؤسسات الأممية أدوات في يد الكبار، فإن كل شيء يصبح ممكنًا، حتى الفوضى الشاملة.

أوروبا التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، لم تنبس ببنت شفة أمام المجازر اليومية في غزة، ولا أمام مشاهد الأطفال تحت الأنقاض. بل انشغلت في قضايا جانبية وسطحية، مثل الحديث عن حرية تعبير كاتب أو فنان، بينما يُذبح الآلاف في وضح النهار. صحف فرنسا مثلًا، مهد إعلان حقوق الإنسان، لم تزعجها صور الشهداء في جنين وخان يونس، بل خصصت افتتاحياتها للحديث عن توقيف كاتب جزائري، أو تعليق عرض مسرحي، وكأن أرواح الفلسطينيين، والسوريين، واليمنيين، والإيرانيين، بلا قيمة في ميزان حقوق الإنسان الغربي.

سياسة الكيل بالمكيالين هذه دمّرت كل ما تبقى من صدقية المنظمات الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. أمم متحدة، ومجلس أمن، ومحكمة جنائية، باتت اليوم هياكل بلا روح، وقراراتها لا تساوي ثمن الحبر الذي تُكتب به.

أما الغرب، فقد أصابه الذعر بعد أن بدأت قوى عالمية جديدة تفرض نفسها على الساحة الدولية، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند والبرازيل. ومع تراجع هيمنته، بدأ يحرك أوراقه المتبقية، وفي مقدمتها إسرائيل، التي يعتبرها قاعدته المتقدمة في الشرق الأوسط. فاندفع نحو المزيد من التصعيد، لعله يخلط الأوراق مجددًا، ويستعيد موقع القيادة العالمية الذي بدأ يفقده.

لكن ما يجهله صانع القرار الغربي، أو يتجاهله عمدًا، هو أن هذا الطريق مليء بالألغام. فحين يتحول القانون الدولي إلى أداة انتقائية، وتُصبح الجرائم مقبولة لأن مرتكبها “حليف”، بينما تُجرّم الدول فقط لأنها “مختلفة”، فإن النظام الدولي يفقد شرعيته الأخلاقية، ويُفتح الباب لتصدعات جيوسياسية قد تعصف بالعالم.

وها نحن نراها بالفعل: تفكك في الثقة بين الشمال والجنوب، تفكك في التحالفات الغربية، صعود متسارع لقوى جديدة تؤمن بالتعددية القطبية، واتجاه متزايد نحو إلغاء هيمنة الدولار، وتهميش قرارات المؤسسات الغربية.

العالم يتغير. والغرب، إن لم يتدارك الأمر، سيجد نفسه خارج اللعبة التي ظل يقودها لعقود طويلة. إسرائيل قد تنجح مؤقتًا في خلط الأوراق، لكنها لن تنقذ المعسكر الغربي من الغرق، لأن الشعوب لم تعد تقبل بالمعايير المزدوجة، ولم تعد تصدّق من يدّعي الدفاع عن الإنسان، بينما يدعم القتلة.

التاريخ لا يُكتب بالحبر فقط، بل يُسجَّل بالدموع والدماء. ويبدو أن صفحة جديدة تُفتح الآن، صفحة قد لا تكون في مصلحة من اعتاد أن يُملي الشروط، ويمنح الصكوك، ويُقرّر من يستحق الحياة ومن لا يستحقها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…