جون بولتون حول الصحراء الغربية: اعتراف ترامب “غير مبرر”… والاستفتاء هو الحل الوحيد
أعاد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، الجدل حول الموقف الأمريكي من قضية الصحراء الغربية، بتصريحات صريحة وغير مألوفة في مقابلة أجرتها معه صحيفة El Independiente الإسبانية. هذا التصريح الجديد يأتي ليكشف الخفايا الحقيقية لقرار إدارة ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ويعيد إلى الواجهة خيار الاستفتاء كحل وحيد للنزاع الذي دام قرابة نصف قرن.
بدأ النزاع في الصحراء الغربية عام 1975 بعد انسحاب الاستعمار الإسباني من الإقليم دون تنظيم استفتاء تقرير مصير للشعب الصحراوي، كما نصت عليه لوائح الأمم المتحدة. في ظل هذا الفراغ، دخلت القوات المغربية إلى الصحراء الغربية فيما يعرف بـ”المسيرة الخضراء”، وبدأت مرحلة صراع مسلح بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973. في 1991، رعت الأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار وأنشأت بعثة “المينورسو” لتنظيم استفتاء، لكنه لم يُجرَ حتى اليوم.
ظل الموقف الأمريكي – حتى نهاية 2020 – متحفظًا ومحايدًا نسبيًا، داعمًا لحل سلمي يشمل استفتاء، قبل أن تُحدث إدارة ترامب تحوّلًا جذريًا حين اعترفت رسميًا بسيادة المغرب على الإقليم، ضمن اتفاق ثلاثي تضمّن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في إطار ما سُمي بـ”اتفاقات أبراهام”.
في مقابلته، هاجم جون بولتون القرار الذي اتخذته إدارة ترامب عام 2020، معتبرًا أن الاعتراف بـ”مغربية الصحراء” كان “تنازلًا غير ضروري” من جانب واشنطن، مشيرًا إلى أن المغرب كان سيتجه نحو الاعتراف بإسرائيل “حتى دون ذلك المقابل”. “المغاربة كانوا قريبين جدًا من الاعتراف بإسرائيل في مراحل سابقة. كانوا يستطيعون أن يكونوا أول دولة عربية تقوم بذلك، حتى قبل مصر والأردن. وبالتالي، فإن منحهم الاعتراف بمغربية الصحراء كجزء من صفقة أبراهام لم يكن مبررًا”، يقول بولتون. وأضاف أن المجموعة التي اتخذت القرار داخل إدارة ترامب “لم تكن تملك أي معرفة بجغرافيا أو تاريخ أو حساسية قضية الصحراء الغربية”، واصفًا ذلك القرار بأنه “خطأ دبلوماسي كبير”.
بولتون، الذي عمل مع وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر في عهد الرئيس جورج بوش الأب، كان شاهدًا ومشاركًا في صياغة قرار مجلس الأمن عام 1991، الذي أسّس لبعثة المينورسو ومهّدت الطريق نحو تنظيم الاستفتاء. ويؤكد اليوم أن هذا المسار لا يزال هو “السبيل الشرعي الوحيد” لحل النزاع.
“المشكلة ليست في تعقيد الملف، بل في غياب الإرادة السياسية لدى المغرب. لقد وافق في اتفاق هيوستن عام 1997 على إجراء الاستفتاء، لكنه انسحب لاحقًا. ومنذ ذلك الحين، يماطل في كل مرة.” ويشير بولتون إلى أن جميع الأطراف الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، كانت متفقة على اعتماد الإحصاء الإسباني لعام 1975 كأساس لهيئة الناخبين، وكان عدد السكان حينها يتراوح بين 75 و80 ألف نسمة، ما يجعل الاستفتاء، بحسب وصفه، “عملية سهلة التنفيذ، لكنها لم تُنفذ لأن المغرب يخشى من خسارة النتيجة”.
وصف بولتون سلوك المغرب تجاه مسار التسوية بأنه “معرقل منذ اليوم الأول”، مشيرًا إلى أن بعثة المينورسو، التي أنشأها مجلس الأمن، كانت فريدة من نوعها في تلك المرحلة لكونها تضم عناصر من الجيش الأمريكي بعد سنوات من الانكفاء خلال الحرب الباردة.
ويقول بولتون: “منذ تأسيس المينورسو، والمسؤولون الأمميون يُجمعون على أن المغرب يعرقل العملية. وحتى عندما تم التوصل لاتفاقات برعاية بيكر، عاد المغرب وتراجع عنها.” ويضيف أن فشل الأمم المتحدة في فرض تنفيذ قراراتها في الصحراء “يعكس ضعفًا دوليًا حقيقيًا”، حيث تم اتخاذ قرارات واضحة، لكن لم تُفرض آليات تنفيذ.
من أبرز ما جاء في تصريحات بولتون هو قوله إن الرئيس السابق دونالد ترامب قد يغيّر موقفه من الاعتراف بمغربية الصحراء إذا حصل على مصلحة مباشرة. “لو حصلت مؤسسة ترامب على امتياز لبناء منتجعات سياحية في الصحراء الغربية، فقد يرى أن من مصلحته دعم الاستفتاء. ترامب يفكر بهذه الطريقة. الأمر لا يتعلق بالمبادئ السياسية أو القانونية بقدر ما هو مرتبط بالحوافز والمصالح.” وأكد أن ترامب لم يكن يهتم بهذا الملف كثيرًا خلال ولايته، لكنه غيّر رأيه في سياق اتفاقات أبراهام، مشيرًا إلى أن القرار كان سياسيًا أكثر من كونه دبلوماسيًا أو استراتيجيًا.
بولتون لم يُخف قلقه من التوتر المتزايد بين الجزائر والمغرب، مشيرًا إلى أن حل قضية الصحراء الغربية يمكن أن يسهم في تخفيف الاحتقان الإقليمي.
الجزائر وموريتانيا في خلفية النزاع
وفي سرد شخصي، تحدث بولتون عن زيارته لأحد مكاتب الملك الراحل الحسن الثاني عام 1997، حيث رأى خريطة للمغرب تضم ليس فقط الصحراء الغربية، بل أجزاء من الجزائر وموريتانيا، ما يعكس – وفقًا له – “طموحات إقليمية توسعية”. وجه بولتون انتقادًا حادًا للحكومة الإسبانية الحالية، معتبرًا أن موقفها لا يخدم القضية ولا يسهم في تنفيذ الاستفتاء، رغم أن إسبانيا هي القوة الاستعمارية السابقة للإقليم، وبالتالي تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه تصفية الاستعمار. “الصحراويون ما زالوا يعيشون في مخيمات اللجوء في تندوف منذ خمسين عامًا تقريبًا. هذا أمر غير إنساني وغير معقول، ويتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي.”
وفي رد على مشروع قانون داخل الكونغرس الأمريكي يسعى لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، عبّر بولتون عن رفضه القاطع، مؤكدًا أن هذه “محاولة قائمة على تلفيقات دعائية مغربية”، ولا تستند إلى أي دليل.
“القول بأن البوليساريو على علاقة بإيران أو حزب الله أو حماس أمر لا أساس له. هناك منظمات أمريكية دينية وإنسانية تعمل في المخيمات، ولو كانت هناك أي مؤشرات على وجود نفوذ إيراني لرصدته. لا توجد أي دلائل، هذه مجرد بروباغندا.”
تبرز تصريحات بولتون باعتبارها أول تحدٍّ صريح من شخصية أمريكية رفيعة المستوى لقرار ترامب بشأن الصحراء الغربية، كما تضع إدارة بايدن في موقف محرج، إذ إنها لم تتراجع عن القرار، رغم التزامها العلني بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي تستمر فيه معاناة الصحراويين في مخيمات اللجوء منذ أكثر من أربعة عقود، يعود السؤال الجوهري إلى الواجهة، هل سيظل المجتمع الدولي يكتفي بالبيانات الرمادية؟ أم آن أوان تنظيم استفتاء حرّ ونزيه ينهي واحدة من أطول نزاعات تقرير المصير في العالم؟
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
القضاء يطوي صفحة ساركوزي.. أول رئيس فرنسي يدخل السجن يوم 21 أكتوبر
يدخل نيكولا ساركوزي التاريخ من أوسع أبوابه، لا كرجل دولة استثنائي كما أراد لنفسه ذات يوم، …