‫الرئيسية‬ الأولى الدروز في سوريا… بين نار التكفير وخنجر الاحتلال!
الأولى - الدولي - 16 يوليو، 2025

الدروز في سوريا… بين نار التكفير وخنجر الاحتلال!

الدروز في سوريا… بين نار التكفير وخنجر الاحتلال!
تشهد محافظة السويداء السورية تطورات بالغة الخطورة تنذر بانفجار شامل للحرب الطائفية في البلاد، حيث بدأت المعارك تخرج من إطارها السياسي التقليدي إلى صراع ديني مذهبي مباشر. تتسارع الأحداث بين قوات “جيش دمشق”، الموالية لحكومة الرئيس أحمد الشرع، والمجموعات الدرزية التي وجدت نفسها هدفًا مباشرًا لحملة تكفير وتحريض غير مسبوقة، تقودها شخصيات دينية متشددة محسوبة على النظام الجديد. هذا التحول في نبرة وخطاب السلطة الحاكمة يعكس انزلاقًا عميقًا نحو نهج إقصائي، يقوم على استهداف الأقليات الدينية والمذهبية التي شكّلت عبر عقود النسيج السوري المتعدد.

السويداء، التي كانت إلى وقت قريب تُعد من المناطق الأكثر هدوءًا في البلاد، أصبحت الآن ساحة مفتوحة للدم والنار، بعد أن بدأت القوات الحكومية هجومًا على مناطق يسكنها أبناء الطائفة الدرزية تحت ذرائع أمنية واهية. في الواقع، لا يمكن فصل هذا التصعيد عن الخطاب التكفيري الذي بات يُتداول في خطب ومواقف بعض الشخصيات القريبة من السلطة، والذي لم يعد يقتصر على الدروز، بل يشمل العلويين والإسماعيليين والمسيحيين والشيعة، وحتى التيارات السنية المعتدلة.

وفي سياق هذه الحرب المتصاعدة، كشفت مصادر سياسية عن لقاء تم الأسبوع الماضي في أذربيجان بين الرئيس أحمد الشرع ووفد إسرائيلي رفيع، تمحور – حسب ما تسرّب – حول إمكانية التوصل إلى تفاهمات غير معلنة بشأن الحدود الجنوبية لسوريا، وربما بناء تنسيق أمني مشترك فيما يتعلق بالدروز، تحت ذريعة تجنيبهم الإبادة أو التهجير. اللقاء أثار استغرابًا كبيرًا، خاصة أنه جاء في وقت كانت فيه الطائرات الإسرائيلية قد أوقفت ضرباتها المعتادة على مراكز القيادة العسكرية السورية في دمشق، وهو ما دفع العديد من المحللين إلى الاعتقاد بأن هناك صفقة سياسية تُطبخ في الخفاء، يكون فيها الدروز ورقة ضغط يستخدمها الطرفان – السوري والإسرائيلي – كل وفق مصالحه.

الوضع على الأرض أكثر تعقيدًا من مجرد تبادل نيران بين ميليشيات مسلحة. ما يجري اليوم في السويداء هو انعكاس لصراع أكبر يتمثل في محاولة فرض هوية دينية واحدة على باقي الطوائف والقوميات، في مشهد يُذكّر بمآلات بعض الدول التي شهدت صراعات مشابهة. الرئيس أحمد الشرع لا يزال يُصرّ في خطاباته الرسمية على التزامه بوحدة البلاد وعلى أنه يسعى إلى محاسبة المتورطين في أي جرائم طائفية، لكنه في الواقع يمارس نفاقًا سياسيًا لا يخدع أحدًا. فقد سبق أن قال الشيء نفسه عقب المجازر التي ارتكبت في الساحل السوري ضد السكان العلويين، لكنه لم يتخذ أي إجراءات حقيقية، بل تُظهر تقارير حقوقية أن نفس الميليشيات التي نفذت تلك الهجمات شوهدت مؤخرًا وهي تقاتل في السويداء، هذه المرة ضد الدروز.

الطائفة الدرزية، التي ظلت دومًا محافظة على موقفها الحذر من جميع أطراف الصراع، باتت اليوم في مواجهة مباشرة مع خطر وجودي. ومع تصاعد التحريض الرسمي، أصبحت مطالبها بالحماية مبررة ومشروعة، وإن كانت تشوبها مخاطر استراتيجية كبرى. فهناك ضغوط إسرائيلية متزايدة لتقديم نفسها كملجأ آمن للدروز، ليس فقط عبر الخطاب السياسي، بل عبر التلميحات العسكرية المباشرة بإمكانية التدخل لحمايتهم داخل الأراضي السورية. لا شك أن وجود عدد كبير من الدروز في إسرائيل، بعضهم في مناصب أمنية وعسكرية، يوفر لإسرائيل مدخلًا لتسويق هذا الدور، وهو ما يجعل المسألة قابلة للتدويل، وتحمل في طياتها خطرًا بالغًا قد يفتح الباب أمام سيناريو التقسيم الفعلي لسوريا.

ورغم جميع المحاولات لطمأنة الرأي العام الداخلي والخارجي، فإن التيار التكفيري الذي يسيطر اليوم على الحكم في دمشق يتحمل المسؤولية الأكبر في إشعال هذا الصراع الطائفي. فموقفه الديني من الدروز، باعتبارهم “خارجين عن الإسلام”، كما يروج بعض رجال الدين المحسوبين على النظام، يجعل من المنطقي أن تبحث هذه الطائفة عن أي جهة تضمن لها البقاء، حتى وإن كانت إسرائيل، لأن البديل هو القتل والدمار والمصير الذي تعرضت له الطوائف الأخرى مثل المسيحيين والعلويين في فترات سابقة. هذا الموقف الديني المتشدد حوّل الدولة من سلطة وطنية إلى كيان مذهبي لا يعترف بالآخر، بل يعتبره خطرًا يجب استئصاله.

سوريا، كما يعرف الجميع، بلد متنوع منذ آلاف السنين. لم تكن يومًا دولة طائفة واحدة، ولا يمكن أن تُحكم وفق منطق التفوق المذهبي أو الإقصاء الديني. إن استمرار هذا النمط في الحكم، وغياب أي مبادرة فعلية لإشراك جميع مكونات المجتمع السوري في القرار السياسي، سيقود حتمًا إلى مزيد من الانقسام والعنف. لا يمكن إعادة الاستقرار إلى سوريا دون الاعتراف العلني والفعلي بحقوق الأقليات الدينية والمذهبية، ودمجها في المؤسسات السيادية، وإرساء أسس دولة مدنية ديمقراطية يتساوى فيها الجميع أمام القانون، بعيدًا عن منطق الفتاوى والتكفير.

الواقع يشير بوضوح إلى أن الهدوء الذي ساد لفترة وجيزة في بعض المناطق السورية بات من الماضي. اليوم، البلاد تقف على صفيح ساخن، وخريطة الانفجارات المقبلة لا يُمكن التنبؤ بها بدقة. وإذا لم يتم تدارك الأمر، فإن ما يجري في السويداء قد يتحول إلى نموذج يتكرر في مناطق أخرى، مما يدفع سوريا إلى حالة من التفتت الذي سيكون من الصعب ترميمه لاحقًا.

إسرائيل، من جهتها، تراقب المشهد عن كثب، وتدير تحركاتها بذكاء سياسي وأمني، وهي تدرك تمامًا أن بوابة النفوذ في الجنوب السوري قد فُتحت، وأن التذرع بحماية الدروز قد يمنحها شرعية مزيفة للتدخل. وفي حال غاب الرد السوري الجامع، فإن تل أبيب لن تتردد في تحويل تدخلها إلى أمر واقع، قد يؤدي إلى اقتطاع أراضٍ جديدة، كما فعلت في مناسبات سابقة في الجولان وجنوب لبنان.

المشهد العام قاتم، والمسؤولية لا تقع فقط على النظام السوري الجديد، بل أيضًا على المجتمع الدولي الذي يتعامل بازدواجية مع ملف الأقليات، ويتجاهل الانزلاق الخطير نحو الفوضى الطائفية في سوريا. وإذا استمرت لغة الإقصاء والتكفير، ولم تُفتح طاولة حوار وطني شامل، فإن ما تبقى من الدولة السورية قد لا يصمد طويلًا أمام تسارع الانهيار الداخلي وتكالب التدخلات الخارجية.

اللحظة التي نعيشها لا تحتمل التأجيل ولا المناورات السياسية، إما أن تُبنى سوريا جديدة على أساس المواطنة والتعددية، أو تُترك لقدرها المؤلم الذي تقوده سياسات الإقصاء والاستفراد. وفي الحالتين، فإن التاريخ سيسجل من تسبب في ضياع هذا البلد العريق، ومن تواطأ بالصمت أو بالفعل في تمزيقه على أسس دينية لا تليق بمستقبل أمة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…