فرنسا ومرض “متلازمة الجزائر”
بعض التصريحات في وسائل الإعلام الفرنسية حول زيارة الرئيس تبون إلى إيطاليا تثبت أن هؤلاء لم يتقبلوا بعد استقلال الجزائر، وما زالوا ينظرون إليها كأنها مجرد إقليم فرنسي تابع لهم. وقد صرّح بذلك أحد المتدخلين على قناة تلفزيونية فرنسية رسمية، بينما علّق متدخل فرنسي آخر واصفًا الزيارة بأنها “إهانة لفرنسا”، دون أن يشرح لنا أين تكمن هذه الإهانة في زيارة رئيس دولة إلى بلد صديق. وهل إذا زار ماكرون بلدًا عربيًا تعتبره الجزائر إهانة لها؟ طبعًا لا.
منطق أحفاد الكولون غريب جدًا، ويؤكد أن تحرر الجزائر من هذه العلاقة القاتلة مع فرنسا أصبح أمرًا مصيريًا وواجبًا وطنيًا، يبرره على الأقل وجود تلك النبرة الاستعمارية المتعالية والمتعجرفة، حتى عند الجيل الجديد من الفرنسيين الذين لم يتحرروا بعد من عقدة الاستعمار. هذه التصرفات والملاحظات تثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن التوجه الذي رسمه الرئيس تبون أصبح يزعج أحفاد الكولون والحالمين بـ”الجزائر الفرنسية”. ويجب أن يتعمق هذا التوجه داخل المجتمع الجزائري، وأن يتم التأطير له بكل الوسائل، من أجل التخلص نهائيًا من علاقات استعمارية أضرت بمستقبل الجزائر وبمصالح الشعب الجزائري الذي دفع ثمنًا باهظًا من أجل تحرره.
فرنسا كانت دائمًا تقنع الدول الأوروبية بأن “الجزائر شأن فرنسي”، وتمنعهم حتى من الحديث عنها، سلبًا أو إيجابًا، كما صرّح لي بذلك وزير خارجية بلجيكا والأمين العام لحلف الناتو سابقًا، السيد ويلي كلاس. وها هي التصريحات التلفزيونية الرسمية تثبت ذلك، بعد مرور أكثر من 30 سنة على تصريح الوزير البلجيكي. وطبعًا، يتحمل المسؤولون الجزائريون جزءًا كبيرًا من استمرار هذه السيطرة غير المعلنة، التي تصاعدت بشكل خطير خلال فترة حكم بوتفليقة، حيث أصبحت الجزائر تتنفس عبر باريس، إلى أن وصلت لحد الإفلاس وطُرد بوتفليقة من السلطة.
التحرر من علاقة غير متكافئة يتطلب وعيًا كبيرًا وعملًا دؤوبًا للخروج من براثنها. والحمد لله، بدأت البلدان الأوروبية وبلدان العالم ترحب بربط علاقات متوازنة ومفيدة مع الجزائر، وتفتح أبوابها للمواطنين الجزائريين، ردًا على الانغلاق الفرنسي والتضييق على مواطنينا.
فرنسا كانت دائمًا تبحث عن إبقاء الجزائر تحت سيطرتها، بأساليب ذكية، مقابل نهب المليارات والتدخل في شؤونها الداخلية. وعند قراءة ملاحظات المفوضية الأوروبية حول قرار سيادي جزائري، يتضح وجود اللمسة الفرنسية وفكر أحفاد الكولون. إذ تجرأت بروكسل على انتقاد قرار “رخص التوريد”، الذي هو قرار سيادي لا دخل لبروكسل فيه. فالاتفاقيات الثنائية لا تعني الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حتى تتجرأ بروكسل على مناقشة قرارات وطنية مستقلة، وهي في حقيقتها محاولة فرنسية لتمرير سلعها وإقصاء المنافسين من السوق الجزائرية.
هكذا هي فرنسا، لا ترى الجزائر بلدًا مستقلًا وذا سيادة إلا “بالدبوز”، كما يقول مثلنا الشعبي. والوجع الذي أصاب أحفاد الكولون في باريس هو أكبر دليل على ذلك.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
المروك على حافة الانهيار الاقتصادي ويبحث منفذا عبر الجزائر
تكثّف دوائر المخزن في المروك خلال الأسابيع الأخيرة حملاتها الإعلامية الممولة عبر مقالات مد…







