“لوموند” الفرنسية تفضح عمالة “الماك” الارهابية
كشفت صحيفة لوموند الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 3 أوت 2025، تفاصيل صادمة تؤكد تورط حركة الماك الانفصالية في تحالفات مشبوهة مع أطراف خارجية معادية للجزائر، على رأسها النظام المغربي والكيان الصهيوني، إلى جانب محاولات واضحة لاستمالة الدعم الأمريكي لتدويل الأزمة القبائلية. هذه المعلومات، التي وردت في تقرير وقّعه الصحفيان سيمون روجر وحميد نصري، تؤكد ما كانت السلطات الجزائرية تحذر منه منذ سنوات، وتعيد فتح ملف تنظيم انفصالي تحوّل من حركة مطلبية إلى أداة لضرب الأمن القومي والوحدة الترابية من الداخل والخارج.
الماك، التي يقودها فرحات مهني، تأسست سنة 2001، عقب اضطرابات شهدتها منطقة القبائل، وقد استغلت ظروفًا مشحونة اجتماعيًا وسياسيًا لتقديم نفسها كحركة تدافع عن الثقافة الأمازيغية، قبل أن يتضح تدريجيًا تحولها إلى خطاب انفصالي، يدعو صراحة إلى تأسيس ما يسمى بـ”جمهورية القبائل”. ومنذ ذلك الحين، اتخذت مواقفها منحى عدائيًا واضحًا تجاه الدولة الجزائرية، بلغ حد التنكر التام للسيادة الوطنية، والارتماء في أحضان قوى أجنبية.
وقد اعتبرت الدولة الجزائرية أن ما جرى في منطقة القبائل خلال سنة 2001 كان نتيجة حادثة أليمة ومعزولة، تمثلت في وفاة الشاب ماسينيسا قرماح داخل مقر الدرك الوطني، وهو ما أدى إلى حالة من التوتر الاجتماعي والأمني استغلتها بعض الأطراف المغرضة لتأجيج الأوضاع. وأكدت الرواية الرسمية في حينها أن الحادثة لا تمثل توجها ممنهجًا، بل هي تجاوز فردي تعاملت معه الدولة ضمن الأطر القانونية والإدارية. كما أشارت إلى أن تصاعد الأحداث لم يكن تلقائيًا، بل جاء نتيجة تحريض سياسي مدروس من جهات ذات خلفيات انفصالية، عملت على زرع الفوضى ودفع الشباب إلى مواجهة مؤسسات الدولة. وحرصت الدولة الجزائرية على إعادة الاستقرار إلى المنطقة من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير، من بينها سحب قوات الدرك من بعض المناطق، وتشكيل لجنة وطنية لتقصي الحقائق، إضافة إلى تكثيف البرامج التنموية في ولايات القبائل. كما اتخذت خطوة بارزة في مسار تثمين الهوية الوطنية بتكريس اللغة الأمازيغية كلغة وطنية عام 2002، في إطار حرصها الدائم على الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي ضمن الثوابت الجمهورية. وتؤكد الدولة أن معالجة تلك المرحلة تمّت ضمن رؤية سيادية متوازنة تحمي استقرار الوطن، وتقطع الطريق على كل محاولات الاختراق الخارجي.
في ماي 2021، صنّفت السلطات الجزائرية حركة الماك كتنظيم إرهابي، بعدما كشفت تقارير أمنية عن صلات مشبوهة لقياداتها مع أطراف أجنبية، وضلوعها في أعمال تخريبية وتحريض على العنف. هذا التصنيف لم يكن قرارًا سياسيًا بقدر ما كان استجابة لمؤشرات أمنية دقيقة تؤكد تحول الحركة إلى تهديد حقيقي للأمن الوطني. ومن أبرز الأدلة التي قدّمتها الدولة آنذاك تورط عناصر من الماك في التحريض على الفوضى أثناء المسيرات الشعبية، والتخطيط لأعمال عنف في منطقة القبائل، فضلًا عن خطاب الكراهية الذي تنشره الحركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية تديرها من الخارج.
ما كشفته “لوموند” يعزّز هذه المعطيات، ويضيف إليها بعدًا إقليميًا ودوليًا خطيرًا، يتمثل في علاقات موثقة تربط “الماك” بالنظام المخزني. وحسب التحقيق الصحفي، فإن فرحات مهني وأعضاء من مكتبه السياسي تلقّوا دعمًا مباشرًا من الرباط، شمل تسهيلات للإقامة والتنقل، إضافة إلى احتضان سياسي وإعلامي في الصحافة المغربية والفرنكوفونية. هذا الدعم لم يكن بريئًا ولا إنسانيًا، بل يدخل في إطار تصفية الحسابات السياسية بين الجزائر والمغرب، خاصة بعد تصاعد الخلاف حول قضية الصحراء الغربية. وبما أن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو، فقد قرر المخزن الرد باستخدام التنظيم الارهابي كورقة ضغط ضد السيادة الجزائرية. المعطيات نفسها تشير إلى أن التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها قادة الحركة تتم بالتنسيق مع مصالح مغربية تعمل من داخل أوروبا، هدفها الرئيسي هو ضرب صورة الجزائر دوليًا وتشجيع خطاب الانفصال.
الأخطر من ذلك ما كشفت عنه الصحيفة الفرنسية بخصوص العلاقات التي تربط الحركة بالكيان الصهيوني. فقد أشارت “لوموند” إلى لقاءات تمت بالفعل بين فرحات مهني ومسؤولين إسرائيليين في عواصم أوروبية، حيث نوقشت سبل الدعم الإعلامي والدولي للماك. كما ورد في التقرير أن الكيان الصهيوني قدّم للحركة دعمًا تقنيًا يشمل التدريب على إدارة الحملات الإعلامية والتواصل مع المنظمات الدولية، وهو ما يُعدّ في العرف السياسي الجزائري خيانة عظمى. هذه العلاقة لم تأت من فراغ، إذ إن “إسرائيل” تسعى منذ سنوات إلى اختراق العمق المغاربي، خاصة بعد التطبيع الرسمي بين تل أبيب والرباط، وتجد في الحركات الانفصالية كالمـــاك وسيلة فعالة لضرب استقرار بلد بحجم الجزائر، يُعرف بموقفه الثابت تجاه القضية الفلسطينية وباحتضانه الدائم للمقاومة.
في موازاة ذلك، تحاول “الماك” استمالة الدعم الأمريكي عبر خطاب حقوقي يستدر العطف الدولي. إذ تعمل قيادة الحركة على إرسال تقارير إلى منظمات أمريكية تدّعي فيها وجود “قمع ممنهج” ضد سكان القبائل، كما سعت إلى عقد لقاءات مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن. لكن مجرّد هذه المحاولات يُثير ريبة السلطات الجزائرية، التي ترى في أي تحرك خارجي من هذا النوع دليلًا إضافيًا على نوايا تدويل ملف داخلي وخلق تدخل أجنبي مرفوض.
من بين القضايا التي فجّرت الجدل، ما عُرف بقضية الصحفي الفرنسي كريستوف غليز، الذي حُكم عليه بالسجن سبع سنوات من قبل محكمة تيزي وزو، بعد اتهامه بتمجيد الإرهاب والتواصل مع منظمة مصنفة إرهابية، وهي “الماك”. غليز كان في مهمة صحفية لصالح مجلة So Foot، لكنه تجاوز مهامه المهنية إلى التواصل المباشر مع عناصر من الحركة الارهابية والترويج لخطابها الانفصالي، ما دفع القضاء الجزائري إلى إدانته بعد مكوثه لأكثر من عام تحت الرقابة القضائية. هذه القضية كشفت عن خطورة الاختراق الإعلامي الخارجي واستغلال حرية الصحافة لتبييض وجه منظمات إرهابية والترويج لانفصال مرفوض قانونيًا وشعبيًا.
السلطات الجزائرية لا تستند فقط إلى التصنيفات والأدلة الأمنية، بل إلى أحداث ميدانية دامية تورطت فيها الحركة، أبرزها حرائق صيف 2021 التي اجتاحت منطقة القبائل وأودت بحياة عشرات المواطنين ورجال الإطفاء. حينها أشارت التحقيقات إلى وجود شبهات قوية حول ضلوع عناصر من “الماك” في إشعال النيران، ضمن خطة مدروسة لنشر الفوضى وإظهار الدولة في مظهر العاجز. كما اتُهمت الحركة بالتحريض على التخريب أثناء المسيرات الشعبية، واستغلال المطالب الاجتماعية لتحقيق أجندات انفصالية تخدم أطرافًا خارجية.
إضافة إلى التحركات الميدانية، نشطت الماك بشكل كبير في المجال الرقمي، حيث تُدير عشرات الصفحات والحسابات على فيسبوك ويوتيوب وتويتر، تنشر من خلالها خطاب الكراهية والطائفية والانفصال. هذه الصفحات تموّلها جهات مجهولة، وتدار من خارج الجزائر، وغالبًا ما تستخدم أسماء مستعارة وصورًا مزيفة، في محاولات ممنهجة لتجنيد الشباب وبث الفتنة داخل المجتمع.
أمام كل هذه المعطيات، تؤكد السلطات الجزائرية أن الرد سيكون حازمًا وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب، وأن كل من يثبت تورطه في دعم هذه الحركة – إعلاميًا أو ماليًا أو تنظيميًا – سيتابع قضائيًا بتهمة المساس بالأمن الوطني. كما صدرت مذكرات توقيف دولية بحق قيادات الحركة، وتواصل الجزائر تنسيقها مع عدد من الدول الأوروبية لملاحقة المتورطين المقيمين في الخارج، والضغط قانونيًا على الجهات التي تحتضن نشاطاتهم العدائية ضد الجزائر.
ما كشفته “لوموند” ليس مجرد تحقيق صحفي، بل اعتراف ضمني من مؤسسة إعلامية غربية كبيرة بخطورة المشروع الذي تمثله حركة “الماك” الارهابية. فهذه الحركة التي كانت تدّعي الدفاع عن “الكرامة الأمازيغية”، تحوّلت إلى أداة إقليمية في يد المخزن، وورقة صهيونية لضرب الجزائر من الداخل، وصوت مأجور يستنجد بالخارج لتنفيذ مخطط انفصالي مرفوض شعبيًا ودستوريًا. وهو ما يطرح تحديًا وجوديًا أمام الدولة والمجتمع، يتطلب وعيًا شعبيًا، وتحصينًا وطنيًا، ومواجهة قانونية لا هوادة فيها.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اليمين المتطرف يهاجم الطلبة الجزائريين في فرنسا!
تعيش فرنسا منذ أسابيع على وقع جدل جديد أثارته بعض الأوساط اليمينية المتطرفة التي وجّهت سها…