‫الرئيسية‬ الأولى المتغطي بالأمريكان عُريان
الأولى - الدولي - مقالات - 12 سبتمبر، 2025

المتغطي بالأمريكان عُريان

المتغطي بالأمريكان عُريان
عندما اندلعت مظاهرات ميدان التحرير في مصر ضد نظام مبارك، واشتدت مع مرور الوقت حتى باتت تقترب من إسقاط النظام، سأل الرئيس مبارك وزير خارجيته أحمد أبو الغيط –الأمين العام الحالي للجامعة العربية– عن الموقف الأمريكي من نظامه. فجاءه الرد بالعبارة التاريخية: “يا ريس، المتغطي بالأمريكان عُريان”. وقد فهم مبارك الإشارة فوراً، أمريكا لن تقف إلى جانبه ولن تدعمه.

هذه المقولة عادت اليوم بقوة إلى التداول بعد أن قصفت إسرائيل الأراضي القطرية، مستهدفة قيادة حماس التي كانت تتفاوض معها ومع الولايات المتحدة في الدوحة لإيجاد حل لأزمة غزة. مكتب حماس في الدوحة فُتح أصلاً بطلب من إسرائيل وأمريكا لتسهيل قنوات الاتصال، كما صرّح وزير الخارجية القطري لقناة CNN الأمريكية، وهو مذهول مما جرى لبلاده.

العدوان الإسرائيلي على قطر –رغم أنها الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة وتستضيف فوق أراضيها قاعدة العديد، أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، والتي تموّل تشغيلها وصيانتها– كشف هشاشة السياسة الأمريكية. فخلال القصف، لم تتحرك القاعدة للدفاع عن قطر، بل انطلقت منها طائرتان بريطانيتان لتزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود. هذه الضربة عرّت تماماً أسطورة “الحماية الأمريكية” لدول الخليج، وأظهرت بوضوح أن واشنطن لا تحمي أحداً سوى إسرائيل.

بلدان الخليج والشرق الأوسط بأسرها وجدت نفسها أمام صدمة غير مسبوقة. فالوهم القديم بأن الدعم المالي والنفطي كفيل بضمان حماية أمريكية تبخّر فجأة. الأخطر أن هذا المشهد تزامن مع إعلان نتنياهو خريطة حلم “إسرائيل الكبرى”، التي تقتطع أراضي من الأردن ومصر والسعودية وسوريا. بل إن ترامب نفسه –حين كان مرشحاً للرئاسة– أشار إلى “صِغر الرقعة الجغرافية لإسرائيل”، في إشارة مفهومة إلى دعمه لمشروع التوسع الإسرائيلي على حساب الأراضي العربية. كما كان قد صرّح بأن الدول العربية التي تستضيف قواعد أمريكية قد تُجبر في نهاية المطاف على التنازل عن تلك الأراضي لصالح الولايات المتحدة، رغم أنها جزء من سيادة دولها.

القصف الإسرائيلي أزال المسحوق التجميلي عن العلاقات الخليجية–الأمريكية، وأظهر حقيقتها: واشنطن لا تدافع عن أمن الخليج ولا يهمها استقراره، بل تنحاز بالكامل للتوسع الإسرائيلي. الإجماع العربي على إدانة الاعتداء على قطر يؤكد خطورة الموقف، والتصريحات التي تحدّثت عن البحث عن أنظمة دفاع بديلة عن المظلة الأمريكية تعكس حجم الصدمة والارتباك. قطر نفسها فوجئت بأن علاقاتها مع إسرائيل، وحتى الأموال التي دفعتها لتحسين صورتها عبر شخصيات مقربة من نتنياهو، لم تشفع لها ولم توفر لها أي أمان.

الجزائر بدورها طالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، الذي اجتمع بالفعل لبحث الاعتداء الإسرائيلي على دولة مستقلة عُرفت بمواقفها المؤيدة للقانون الدولي. وكالعادة، خرج المندوب الأمريكي ليبرّر قائلاً إن إسرائيل “تعمل لصالح السلام في المنطقة”، في تغطية رسمية سافرة على جرائمها وانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي.

سيسجّل التاريخ أن إسرائيل، بحروبها ضد إيران ولبنان وسوريا، وبقصفها قطر وتدميرها قطاع غزة، ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة، قد أدخلت العالم في مرحلة شديدة الخطورة من سباق التسلّح. مرحلة سيدفع فيها الجميع –مهما كان الثمن– إلى امتلاك السلاح النووي لتعديل موازين القوى وضمان بقاء سيادتهم.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر لا تُنسى… ومن يتجاهلها يُخطئ في حقّ الوفاء

صرّح ممثل حركة “حماس” في الجزائر، للإذاعة الجزائرية الدولية، بشأن التصريحات ال…