‫الرئيسية‬ الأولى قمة شرم الشيخ… سلام بلا دولة
الأولى - الدولي - مقالات - ‫‫‫‏‫8 ساعات مضت‬

قمة شرم الشيخ… سلام بلا دولة

قمة شرم الشيخ… سلام بلا دولة
بعد أن زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكيان الصهيوني ليقدّم له كل الضمانات، وألقى خطابًا مطولًا أمام نواب الكنيست الصهيوني رفقة القيادات السياسية، استطاع إقناع نتنياهو بالالتزام بخطة “السلام الأمريكي” التي يحاول فرضها في غزة، تلك التي شهدت مؤخرًا تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى بإشراف الصليب الأحمر، حيث أُفرج عن عشرين أسيرًا صهيونيًا مقابل نحو ألفيّ أسير فلسطيني، إضافة إلى إعادة جثامين عدد من جنود الاحتلال الذين سقطوا في الحرب الأخيرة على غزة. حربٌ ما تزال تفاصيلها غامضة، وسيكشف التاريخ خفاياها ويحدد الجهات التي تواطأت فيها، ولمصلحة من تمّت التضحية بعشرات الآلاف من الفلسطينيين، إذ تجاوز عدد الشهداء سبعةً وستين ألفًا، فيما يعيش الملايين في العراء بعد أن دُمّرت بيوتهم عن آخرها.

كانت غزة الواجهة البحرية للمشروع الوطني الفلسطيني، وفيها أُقيم مطار غزة الدولي الذي افتتحه الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1998، وبدأ فيها العمل على مشروع الميناء الذي نصّت عليه اتفاقيات أوسلو. لكن الكيان الصهيوني خطط منذ البداية لتدمير هذه الواجهة بكل وسيلة ممكنة، ونجح في فصل غزة عن الضفة الغربية عبر سياسات معقدة أضعفت السلطة الفلسطينية ومكّنت حركة حماس من السيطرة الكاملة، فكانت النتيجة تحصيل حاصل.

واليوم يعود ترامب إلى المنطقة ليفرض ما يسميه “سلامًا في غزة” بعد مفاوضات شاركت فيها مصر وقطر وتركيا وممثلون عن حماس، لينتقل بعدها إلى شرم الشيخ حيث اجتمع بعشرين قائدًا من أوروبا وآسيا والعالم العربي لحضور حفل التصديق على الاتفاقية برعاية أمريكية.

الاتفاق الذي جرى التصديق عليه يركّز على تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة إعمار ما دُمّر خلال الحرب، مقابل ترتيبات أمنية جديدة بإشراف دولي، أهمها انتشار نحو مئتي جندي أمريكي لمراقبة التزام الكيان الصهيوني بوقف النار. غير أن هذه الترتيبات تثير تساؤلات حول مدى ديمومتها، خصوصًا في ظلّ غياب رؤية واضحة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يجعل هذا “السلام” هشًّا، قابلًا للانهيار عند أول اختبار سياسي أو ميداني.

من جانبها، عبّرت الجزائر رسميًا عن ارتياحها لإعلان الاتفاق حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، معتبرةً إياه خطوة طال انتظارها للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني ورفع الظلم المسلط عليه في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها من قبل الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا. وجاء في بيان وزارة الشؤون الخارجية أن الجزائر تقدّر الجهود المضنية التي بذلتها مجموعة الوساطة الدولية، لكنها تؤكد في الوقت ذاته على ضرورة تجسيد هذا الاتفاق في مختلف مضامينه وأبعاده، ولا سيما تلك المتعلقة بـ تفعيل الوقف الشامل والدائم لإطلاق النار ورفع القيود المفروضة على جهود الإغاثة الإنسانية وانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي الفلسطينية. وأضاف البيان أن هذه الخطوة، التي استأثرت بجهود الجزائر ومبادراتها منذ انضمامها إلى مجلس الأمن، تمثل استجابة جزئية لتطلعات الشعب الفلسطيني، لكنها بحاجة لأن تكتمل بخطوات أخرى نحو إعادة الإعمار وتوحيد الأراضي الفلسطينية وفتح آفاق فعلية لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة كحل عادل ونهائي للصراع العربي–الصهيوني، وكشرط أساسي لاستعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط برمّته.

توقفت الحرب في غزة نسبيًا، وتراجع القصف بشكل ملحوظ، لكن أصوات الرصاص التي ما تزال تُسمع في بعض المناطق تُنذر بانقسامات داخلية وصراعات على النفوذ، إذ تحاول حركة حماس إعادة ترتيب صفوفها بعد الهدنة، في وقت تتحدث فيه بعض التقارير عن نية واشنطن إعادة صياغة المشهد الأمني والإداري في القطاع.

ولا أحد يعلم كم سيدوم هذا “السلام”، ولا إلى أين سيفضي، أو ما إذا كانت المراحل اللاحقة من الاتفاق ستنفذ، خصوصًا ما يتعلق بمصير سلاح حماس، الذي يبدو أنه أصبح محور المساومات المقبلة. فحتى عناصر الحركة يعيشون حالة ترقب وخوف من مصير مجهول، يتساءلون إن كانت الحماية الأمريكية ستستمر مقابل التنازل عن سلاحهم وتسليم السيطرة على غزة.

التاريخ وحده سيكشف حجم المؤامرة على الشعب الفلسطيني، والجهات التي تآمرت على غزة وساهمت في تحقيق الأهداف الصهيونية الاستراتيجية: إنهاء كل أملٍ في قيام دولة فلسطينية مستقلة، ووأد غزة التي كانت الواجهة المفتوحة على العالم لمشروع الدولة، بعد أن كانت على وشك الارتباط بممر آمن يربطها بالضفة الغربية.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

حرب المعادن النادرة… رصاصة الصين في قلب واشنطن

لم تمر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ، والنجاح الذي حققه بجمع نحو عشرين …