تقجّوت يعلن الحرب على الفساد داخل المركزية النقابية
فجّر الأمين العام للمركزية النقابية أعمر تقجّوت مفاجأة من العيار الثقيل بعد كشفه عن تجاوزات مالية وإدارية خطيرة داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)، واصفًا الوضع بأنه “إرث أسود” تركته القيادات السابقة للنقابة التي كانت، بحسبه، تعمل خارج الأطر القانونية والتنظيمية التي ينص عليها النظام الداخلي للاتحاد.
وقال تقجّوت في تصريحات إعلامية، إن التقريرين الأدبي والمالي اللذين عرضا مؤخرًا أمام أمناء الفيدراليات والاتحادات الوطنية، أظهرا أن جزءًا واسعًا من الهيئات النقابية كانت تمارس نشاطها “خارج الشرعية”، مشيرًا إلى أن الخلل يشمل 38 اتحادًا ولائيًا و18 فيدرالية وطنية. وكشف أن هذه الهيئات لم تكن تقدّم تقارير مالية سنوية دقيقة، كما لم تلتزم بإعداد وثائق محاسبية رسمية، وهو ما فتح الباب أمام تسجيل نفقات غير مبرّرة في عدد من الملفات الحساسة.
وأضاف الأمين العام أن التحقيقات الداخلية كشفت عن وجود ديون خارجية تقدر بـ7.04 مليارات سنتيم، إلى جانب ديون أخرى مستحقة لدى الاتحادات الولائية تُقدّر بنحو 15.4 مليار سنتيم، مؤكّدًا أن النقابة المركزية أحالت الملفات على العدالة التي ستفصل في مصير تلك المخالفات. وأوضح أن المرحلة الحالية هي مرحلة “تطهير مالي وإداري شامل”، هدفها إعادة الاتحاد إلى سكّته الصحيحة، وإرساء آليات رقابة داخلية صارمة لضمان الشفافية في التسيير.
ولم يتردد تقجّوت في تحميل المسؤولية للقيادات السابقة، قائلًا إنّ “الهيكل النقابي كان يفتقر إلى المتابعة الدقيقة، مما سمح بتراكم الديون وتضخّم العجز المالي على مدار سنوات”. وأوضح أن القيادة الجديدة وضعت خطة إصلاح مالية وإدارية شاملة تشمل إعادة هيكلة الاتحادات الولائية والفيدراليات، مع إدخال نظام رقمنة شامل لمتابعة الموارد المالية والاشتراكات والنفقات.
وأشار الأمين العام إلى أن مسار الرقمنة داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين يواجه مقاومة من بعض الأطراف داخل التنظيم، لكنه أكد أن هذه الخطوة “ضرورية وستمضي قدمًا لأنها تمثل ركيزة للشفافية والحوكمة الرشيدة”. وأوضح أن النظام الجديد سيسمح بتتبع كل العمليات المالية لحظة بلحظة، من أجل وضع حد نهائي لأي تجاوزات أو سوء تسيير.
وفي الجانب الاجتماعي، ثمّن تقجّوت القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والمتعلقة بزيادة الأجور اعتبارًا من السنة المقبلة، معتبرًا إياها “قرارات استراتيجية تصون كرامة العامل وتعزز الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية”. كما دعا المؤسسات الاقتصادية، خاصة في القطاع الخاص، إلى فتح مفاوضات جماعية مع ممثلي العمال من أجل دراسة إمكانية إقرار زيادات مماثلة في الأجور، كلٌّ حسب قدراته المالية. وأكد أن “الزيادة في هذا القطاع مرتبطة بالاتفاقيات الجماعية وبالوضع المالي لكل مؤسسة، لكن الحوار يبقى السبيل الأمثل لتحقيق العدالة المهنية”.
وتطرّق الأمين العام إلى ملف الأسلاك المشتركة، مشيرًا إلى أن تأخر تكييف منظومة الأجور في هذا السلك راجع إلى “عوامل تقنية وقانونية”، متعهدًا بأن المركزية النقابية “تتابع الملف عن قرب” وستقترح حلولًا عملية لضمان المساواة في الحقوق المهنية بين مختلف الأسلاك. وأكد أن قيادة الاتحاد عقدت اجتماعًا خاصًا لدراسة الفوارق المسجّلة في مسار هذه الفئة ومقارنتها بباقي القطاعات، تمهيدًا لرفع مقترحاتها إلى الحكومة.
كما كشف تقجّوت عن لقاء مرتقب مع كنفدرالية أرباب العمل الجزائريين (CAP) قبل نهاية السنة الجارية، تحضيرًا لاحتمال عقد “الثلاثية الوطنية” التي تجمع الحكومة وأرباب العمل والمركزية النقابية، لبحث التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، خصوصًا في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وأكد الأمين العام أن المسؤولية الجماعية تفرض على الجميع إنجاح عملية الإصلاح والرقمنة داخل الاتحاد، مشددًا على أن “المرحلة المقبلة ستكون مرحلة المساءلة والمحاسبة والشفافية الكاملة”. وأوضح أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، كأقدم تنظيم نقابي في البلاد، مطالب اليوم بـ “استعادة مصداقيته التاريخية كصوت حقيقي للعمال، لا كهيكل بيروقراطي يعيش على أمجاد الماضي”.
ويُعتبر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الذي تأسس سنة 1956، واحدًا من أقدم وأقوى التنظيمات النقابية في العالم العربي والإفريقي، وكان لسنوات طويلة ذراعًا اجتماعيًا أساسيًا في رسم السياسات الاجتماعية والاقتصادية للدولة الجزائرية. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتزاز صورته أمام الرأي العام بسبب ملفات فساد وسوء تسيير، قبل أن تُباشر القيادة الجديدة برئاسة أعمر تقجّوت حملة إصلاحات واسعة لإعادة هيكلته ومراقبة موارده المالية.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية
أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…







