‫الرئيسية‬ الأولى صفقة إماراتية تضخّ 50 مليون دولار في جماعة إرهابية بمالي
الأولى - الوطني - ‫‫‫‏‫15 ساعة مضت‬

صفقة إماراتية تضخّ 50 مليون دولار في جماعة إرهابية بمالي

صفقة إماراتية تُضخّ 50 مليون دولار في جماعة إرهابية بمالي
كشفت وكالة رويترز الدولية، في تقرير خاص أثار صدمة واسعة، أنّ الإمارات العربية المتحدة دفعت مبلغًا ضخمًا وصل إلى خمسين مليون دولار لجماعة مسلّحة تابعة لتنظيم القاعدة في مالي، مقابل الإفراج عن رهينتين إماراتيين كانا محتجزين لدى التنظيم في واحدة من أخطر مناطق الساحل. ونقلت الوكالة عن مصادر مطّلعة أنّ الصفقة أُبرمت مع جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، وهي أكبر تحالف إرهابي في المنطقة وذراع مباشر لتنظيم القاعدة، مؤكدة أنّ رهينة ثالثًا يحمل الجنسية الإيرانية أُفرج عنه ضمن العملية، بينما فضّلت الحكومتان الإماراتية والمالية عدم إصدار أي تعليق رغم الاتصالات المتكررة.

ووصفت رويترز مبلغ الخمسين مليون دولار بأنه من أضخم الفديات التي يحصل عليها تنظيم إرهابي في غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أنّ هذه الأموال تمثل بالنسبة للجماعة “شريان حياة” يمكّنها من شراء السلاح وتجنيد المقاتلين وتمويل عملياتها، في وقت تواجه فيه ضغوطًا عسكرية متزايدة من الجيش المالي. وتؤكد منظمة ACLED الأميركية، المتخصصة في تحليل النزاعات، أنّ جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تعتمد بشكل مباشر على عمليات الخطف للحصول على الفدية، معتبرة أنّ هذه السياسة تحولت إلى نموذج اقتصادي ثابت تموّل به الجماعات المتطرفة نشاطاتها.

وتعيد هذه العملية إلى الواجهة ملف الاختطاف مقابل الفدية، خصوصًا أنّ التنظيم نفسه كان قد أفرج قبل أشهر عن أربعة سائقي شاحنات مغاربة اختُطفوا في منطقة حدودية بين النيجر وبوركينا فاسو، الأمر الذي يعكس قدرة هذا التنظيم على استهداف جنسيات متعددة واستثمارها لتحقيق مكاسب مالية ضخمة. ورغم أن مجلس الأمن أصدر في السنوات الماضية قرارات صريحة—من بينها القرار 2133—تدعو إلى تجريم دفع الفدية، إلا أنّ عددًا من الدول لا يزال يلجأ إلى هذه الممارسة خارج أي رقابة، ما يتسبب مباشرة في تقوية التنظيمات الإرهابية.

وتُعدّ الجزائر من الدول الأوائل التي طالبت علنًا، منذ بداية الألفية، بتجريم دفع الفديات، استنادًا إلى تجربتها الطويلة في مكافحة الإرهاب الذي خبرته خلال سنوات التسعينيات. وتشدد الجزائر في كل المحافل الدولية على أنّ تلبية مطالب الإرهابيين المالية لا تنقذ حياة الرهائن فقط، بل تساهم في قتل آخرين عبر تمويل العمليات الإرهابية الجديدة. ورغم أنّ الإمارات لم توضّح خلفيات وجود رعاياها في مالي، إلا أنّ وجودها في عدة بؤر توتر عبر العالم ليس جديدًا، إذ سبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن صرّح في أفريل 2024 بأن “المال الإماراتي حاضر في كل منطقة تشهد اضطرابات”، في إشارة ضمنية إلى ليبيا والسودان ومنطقة الساحل.

ويعتبر محللون غربيون أن هذه الصفقة تمثل خطرًا حقيقيًا على المنطقة، لأنها تمنح جماعة مصنفة إرهابية على القوائم الدولية قدرة مالية كبيرة تمكّنها من إعادة الانتشار وتطوير عملياتها. وتذهب تقارير أمنية أوروبية إلى أنّ هذه الأموال ستُستعمل فورًا في شراء السلاح، ودفع رواتب المقاتلين، وتمويل الهجمات التي تستهدف قوات الجيش المالي والمدنيين، خصوصًا في ظل الحصار الذي تفرضه الجماعة على طرق الإمداد ومخزون الوقود داخل البلد.

ويرى خبراء متخصصون في قضايا الإرهاب أنّ العملية تعكس تناقضًا صارخًا في سياسات الدول، حيث تسعى بعض الحكومات إلى إنقاذ مواطنيها بسرعة وبأي ثمن، لكنها في الوقت ذاته تُنقذ التنظيمات الإرهابية وتمنحها قدرة أكبر على زعزعة استقرار الساحل بأكمله. ويؤكدون أن الجماعات الإرهابية، كلما حصلت على فديات ضخمة، تضاعف من عمليات الاختطاف وتوسّع نطاق نشاطها، معتبرين أن هذه الصفقة قد تشجع التنظيم على اختطاف المزيد من الأجانب في المستقبل.

وتتزامن هذه القضية مع سياق إقليمي شديد الحساسية، حيث يشهد الساحل الإفريقي تحولات كبرى على مستوى التحالفات الأمنية، مع انسحاب تدريجي للقوات الغربية وتوجه دول المنطقة نحو شركاء جدد. وسط هذا المشهد، يجد السكان المحليون أنفسهم أمام خطر متجدد، بعدما حصل التنظيم الإرهابي على واحدة من أكبر الفديات في السنوات الأخيرة، وهو ما يعني—بحسب خبراء مكافحة الإرهاب—مزيدًا من الهجمات، ومزيدًا من التوسع، ومزيدًا من الفوضى التي ستكون المنطقة أول ضحاياها.

وتكشف هذه العملية أن التمويل غير المباشر للإرهاب لم يعد يُمارس فقط من خلال التهريب أو الابتزاز أو التجارة غير المشروعة، بل من خلال قرارات رسمية تتخذها حكومات تملك المال والنفوذ، لكنها تفتقر إلى رؤية شاملة لخطورة تأمين موارد مالية لتنظيمات مسلحة قاتلة. وفي الوقت الذي تواصل الجزائر الدعوة إلى سياسة دولية صارمة تقوم على تجفيف منابع الإرهاب، تبرز هذه الحادثة مثالًا واضحًا على أن بعض القوى الإقليمية ما زالت تتحرك بمنطق المصالح الضيقة، ولو على حساب أمن شعوب الساحل والمنطقة بأكملها.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الجزائر تبدي استياءها من تحويل باريس لاتفاقيات 1968 إلى ورقة انتخابية

أعرب وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف عن استياء الجزائر من تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاقيا…