‫الرئيسية‬ الأولى كيف يواصل اليمين الفرنسي صناعة استعمار جديد عبر خطاب الكراهية؟
الأولى - الوطني - مقالات - ‫‫‫‏‫19 ساعة مضت‬

كيف يواصل اليمين الفرنسي صناعة استعمار جديد عبر خطاب الكراهية؟

كيف يواصل اليمين الفرنسي صناعة استعمار جديد عبر خطاب الكراهية؟
يقدّم المؤرخ الفرنسي آلان روسيو في تحليله المنشور بجريدة «لومانيتي» قراءة معمقة لواحد من أكثر الملفات ثقلًا في الذاكرة الفرنسية المعاصرة، الإرث الاستعماري في الجزائر، وما يسميه بـ«النوستالجيا»، أي الحنين الاستعماري الذي نجده متجذرًا في خطاب فئات سياسية واجتماعية داخل فرنسا. ويؤكد روسيو أن هذا الحنين لم يختف مع رحيل جيل قدامى المستوطنين أو العسكريين، بل انتقل كعقيدة سياسية تُستثمر انتخابيًا، وتُعاد إنتاجها في الخطاب العام بصورة مستمرة.

وينطلق روسيو من ملاحظة مفادها أن جزءًا من الطبقة السياسية الفرنسية لم يتجاوز بعدُ لحظة 1962، إذ يعيد استحضار سرديات استعمارية قديمة، تُحمّل الجزائر مسؤولية الأزمة وتعفي فرنسا من مراجعة دورها التاريخي. ويشير إلى أن هذه السرديات لم تتشكل في الفراغ، بل استندت طوال عقود إلى شبكة من المصالح والرموز والذكريات التي صنعت داخل فرنسا «كتلة استعمارية» قديمة استمرت في التأثير داخل الأحزاب اليمينية، بدءًا من بعض تيارات الجمهوريين وصولًا إلى اليمين المتطرف.

ويرى روسيو أنّ هذا الحنين الاستعماري يُستعمل اليوم كأداة سياسية في سياق التوترات المتعلقة بالهجرة، وبنقاش الهوية، وبالعلاقة المعقدة بين باريس والجزائر. فبالنسبة له، يميل بعض السياسيين الفرنسيين إلى توظيف الذاكرة الاستعمارية بطريقة انتقائية، حيث يتم استدعاء صور «الجزائر الفرنسية» أو «العصر الذهبي المفقود» لتبرير مواقف إقصائية ضد الجزائريين أو ذوي الأصول الجزائرية، مما يجعل الذاكرة التاريخية تتحول إلى مادة صراع سياسي بدل أن تكون مجالًا لقراءة الحقيقة.

كما يشير المؤرخ إلى أنّ بعض وسائل الإعلام تساهم في إعادة تدوير هذا الخطاب عبر استضافة أصوات تقدّم رؤية مشوهة للحرب الاستعمارية، وتتجاهل ما وثقته الأبحاث التاريخية الحديثة حول نظام القمع والتعذيب والنهب الاقتصادي الذي مارسته فرنسا الاستعمارية. ويذكّر روسيو بأن عشرات المؤرخين، فرنسيين وجزائريين، قد أثبتوا بما لا يدع مجالًا للشك حجم العنف البنيوي الذي مارسته الإدارة الاستعمارية، وأن تجاهل هذا التاريخ ليس مجرد خطأ معرفي، بل هو فعل سياسي متعمد.

وفي قراءته لتطور الخطاب السياسي الفرنسي، يوضح روسيو أن «النوستالجيا» لم تعد مرتبطة حصريًا بجيل ما قبل الاستقلال، بل أصبحت جزءًا من مشروع سياسي كامل تبنّته أحزاب تعتمد على الخطاب الهوياتي، وعلى استهداف المهاجرين، وعلى رفض الاعتراف بجرائم الفترة الاستعمارية. ويرى أنّ انتشار هذا الخطاب بين الأجيال الشابة في اليمين المتطرف مؤشر على انتقال «النوستالجيا» من الذاكرة الفردية إلى البنية السياسية المؤسسية.

ويؤكد روسيو في مقاله أنّ العلاقة بين فرنسا والجزائر لا يمكن أن تبنى على هذا التراث المشوَّه، لأن أي حوار سياسي أو اقتصادي سيظل هشًا ما دامت فرنسا ترفض الاعتراف الكامل بالصفحات السوداء من تاريخها. ويضيف أنّ استمرار بعض المسؤولين الفرنسيين في تصوير الجزائر كتهديد، أو كعبء، أو كخصم حضاري، يظل امتدادًا لزمن استعماري لم يتم تفكيك منطقه حتى اليوم.

ويخلص المؤرخ الفرنسي إلى أن الخروج من هذا المأزق يستلزم شجاعة سياسية وفكرية، تقوم على الاعتراف والاعتذار والعدالة التاريخية. فبالنسبة له، لا يمكن لفرنسا أن تبني علاقة متوازنة مع الجزائر ما دامت أجزاء من طبقتها السياسية متمسكة بخطاب يعتبر الاستعمار «صفحة مشرقة» أو «ضرورة تاريخية». ويؤكد أن «النوستالجيا» ليست مجرد حنين، بل هي عائق حقيقي أمام مستقبل العلاقات بين البلدين، لأنها تسجن الذاكرة الفرنسية داخل رؤية مجروحة وغير مكتملة.

ويختم روسيو مقاله بالتشديد على أنّ تفكيك هذه الذاكرة المنحازة ضرورة، ليس فقط من أجل علاقة صحية مع الجزائر، بل من أجل مستقبل فرنسا نفسها، لأن استمرار تسييس الماضي الاستعماري يحوّل التاريخ إلى أداة خوف وكراهية، بدل أن يكون مصدرًا للفهم والمصالحة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

مجلس الوزراء.. الرئيس تبون يرسم ملامح الجزائر الحديثة

ترأس رئيس الجمهورية، السيّد عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الو…