‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي مقالات ماكرون يناشد الجزائر من المكان… وفي الزمان الخطأ
مقالات - ‫‫‫‏‫15 ساعة مضت‬

ماكرون يناشد الجزائر من المكان… وفي الزمان الخطأ

ماكرون يناشد الجزائر من المكان… وفي الزمان الخطأ
ماكرون يخرج من جنوب إفريقيا ليتحدث من جديد عن “ضرورة استعادة العلاقات مع الجزائر”، لكن السؤال الذي لا مفرّ منه: من بقي يمكنه أن يثق في كلام ماكرون الذي يناقض أفعاله في كل مرة؟ هل نسي الرئيس الفرنسي أنه كان على تواصل مستمر مع فلاديمير بوتين، وأن روسيا كانت تعتبره مخاطَبًا سياسيًا يمكن التداول معه، قبل أن تُسجَّل إحدى المكالمات بينهما وتُسرَّب بطريقة أغضبت الكرملين ودفعت بوتين إلى إنهاء أي تعامل مباشر معه؟ وبعدها انقلب ماكرون ـ في أيام ـ من حديث عن السلام إلى مناضل للحرب، يدفع نحو مواجهة غير محسوبة مع موسكو، رغم معرفة الجميع بأن الجيش الفرنسي لا يملك القدرة على خوض حرب مباشرة مع روسيا، مرورًا بصفقة الـ100 طائرة رافال لكييف، التي جرّت على باريس تحذيرات روسية صريحة.

وإذا عدنا إلى العلاقات مع الجزائر، فالقصة أكثر وضوحًا. وزير الداخلية السابق برونو روتايو، الذي كان يصرّح يوميًا ضد الجزائر، قالها بصريح العبارة، كان يتلقى تعليمات مباشرة من الرئيس ماكرون. هنا يصبح من المستحيل تصديق أن ماكرون “غير راضٍ” عن تصريحات المتطرفين الفرنسيين، لأن من فجّر الأزمة هو محيطه المقرب، لا المعارضة ولا الإعلام. ومثلما لا يمكن تخيّل أن البرلمان الجزائري يصوّت على “قانون تجريم الاستعمار” دون ضوء أخضر من أعلى هرم الدولة، كذلك لا يمكن تصوّر أن التصويت الفرنسي ضد اتفاقية 1968 أو تصريحات روتايو كانت مجرد “آراء شخصية”. كانت قرارات دولة، ثم جرى التراجع عنها عندما ارتدت نتائجها على أصحابها.

ماكرون يتحدث من جنوب إفريقيا وكأنه نسي أنّ الرئيس تبون لم يحضر قمة العشرين، وأن أي لقاء بين الرئيسين لم يكن مبرمجًا أصلاً. فلماذا هذا الإصرار على ذكر الجزائر في كل مناسبة؟ ماذا يريد تحديدًا؟ وما الذي يبحث عنه اليوم من وراء كل هذا الحديث الذي يأتي بلا سياق؟ اللافت أنّ ماكرون ركّز على كلمة واحدة: “نريد نتائج ملموسة”. والمعنى واضح، باريس تبحث عن مصالح اقتصادية وصفقات، وليس عن “تهدئة سياسية”.

فرنسا تعيش أزمة مالية خانقة، وتراجعًا واضحًا في نفوذها الإقليمي، وتقلّصًا حادًا في حصتها داخل السوق الجزائرية، وماكرون يتصرف اليوم بمنطق الحاجة الاقتصادية لا بمنطق “الصداقة التاريخية”.

مشكلته الأكبر أن الساحة السياسية والإعلامية في فرنسا أصبحت منفلتة، وكل طرف يزايد على حساب العلاقات مع الجزائر، وكل ذلك يُغطّى بخطاب “حرية التعبير والديمقراطية”، بينما هو في جوهره فوضى سياسية داخلية يدفع ثمنها الطرف الآخر.

هل كان كلام ماكرون عن الجزائر مناسبًا دبلوماسيًا؟ بكل صراحة: لا.
كان أشبه بمحاولة إرضاء الداخل الفرنسي بحديث مبهم، ومحاولة استرضاء الجزائر برسائل مواربة، وجاء ذلك كله في المكان الخطأ والزمان الخطأ.

الجزائر تغيّرت. لم تعد ترضخ للضغط ولا للابتزاز ولا للخطابات المزدوجة. تريد مواقف واضحة، وليس لغة مترددة بين شدّ وجذب. وإذا كان ماكرون يريد فتح صفحة جديدة، فأول شروطها أن يتوقف عن مخاطبة الجزائر في كل مناسبة دون فعل واحد يُثبت نية حقيقية في بناء علاقة متوازنة.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

جسّ نبض لـ”إسقاط” الجزائر؟

تبدو التطورات الأخيرة التي عرفتها الجزائر أشبه بما يمكن وصفه بـ بداية محاولات إحماء لزعزعة…