‫الرئيسية‬ الأولى «بوقادو»… رواية تُحوّل وجع الطلاق إلى نداء من أجل العدالة
الأولى - فنون وثقافة - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

«بوقادو»… رواية تُحوّل وجع الطلاق إلى نداء من أجل العدالة

«بوڨادو»... رواية جزائرية تُحوّل وجع الطلاق إلى نداء من أجل العدالة الإنسانية
تقدّم رواية «بوڨادو» للكاتبة الجزائرية ذهبي شيماء، الصادرة عن دار الماهر للنشر والتوزيع، طرحًا اجتماعيًا جريئًا يمزج بين الواقعية والرمزية، لتسلّط الضوء على أحد أكثر المواضيع حساسية في المجتمع الجزائري، وهو الطلاق وما يخلّفه من آثارٍ نفسيةٍ عميقة على الأبناء. ومن خلال أسلوبها السلس المفعم بالعاطفة والتحليل، تختار الكاتبة أن تخوض في منطقة صعبة طالما تجنّبها الأدب الجزائري المعاصر، فترسم عبر صفحات عملها لوحةً إنسانية تختزل ألم الفقد وتناقضات العدالة الأسرية، حيث لا ينحصر الطلاق في كونه انفصالًا قانونيًا، بل يتحوّل إلى جرحٍ إنسانيٍ طويل الأمد.

في «بوڨادو»، تكتب ذهبي شيماء الرواية من منظور إنساني يجعل القارئ يلامس تفاصيل المعاناة اليومية لطفلٍ تفرّق والداه، فتتحوّل القصة من سردٍ بسيط لأحداثٍ عائلية إلى رحلةٍ مؤلمة في البحث عن العدالة والذات داخل عالمٍ مثقلٍ بالخذلان. بطل الرواية، رؤوف، الذي يلقّبه جدّه بـ«بوڨادو» إعجابًا بمهنة المحاماة، يكبر وهو يحمل في داخله وجع الأسرة المفككة، فيسعى لأن يصنع العدالة التي حُرم منها في طفولته، وليصبح صوتًا رمزيًا لكلّ طفلٍ حائرٍ بين والدين فرّقتهما المحاكم وجمعهما الذنب الإنساني المشترك. من خلال هذا المسار، تضع الكاتبة القارئ أمام مأزقٍ نفسيٍّ وأخلاقيٍّ عميق: كيف يمكن لطفلٍ نشأ على غياب العدالة أن يناضل لاحقًا من أجل تحقيقها؟

تمضي الرواية في تتبّع رحلة البطل من مرحلة الطفولة إلى النضج، بين الحلم والواجب، وبين المهنة والذاكرة، لتكشف عبره هشاشة الروابط الأسرية حين تُختزل العدالة في الأوراق والأحكام القضائية بدل أن تُبنى على مشاعر بشرية حقيقية. فالأبناء هنا ليسوا مجرد ضحايا طلاقٍ، بل شهودٌ على تفككٍ اجتماعيٍّ أوسع، حيث يغيب الحوار وتحضر الأنا، وتصبح الأسرة – رمز الأمان الأول – ساحة معركةٍ لا منتصر فيها. وبأسلوبٍ يجمع بين العمق والشفافية، تُعيد شيماء تعريف مفاهيم مثل الأسرة، المسؤولية، الارتباط، والإنصاف في زمنٍ تتغيّر فيه أولويات الناس بين العاطفة والمصلحة، وبين التفاهم والأنانية.

الرواية لا تكتفي بطرح موضوعها في سياقٍ قصصيٍّ تقليدي، بل تتحوّل إلى مرآةٍ اجتماعيةٍ وفكريةٍ تثير تساؤلات تتجاوز حدود الأدب لتخاطب الوعي الإنساني مباشرة. فهل العدالة تولد فعلًا من رحم القانون أم من وجعٍ قديم اسمه الفقد؟ وهل يمكن للقلب أن يبرأ من حكمٍ لم يُنصفه الواقع؟ في كل صفحة، تتسلل الكاتبة إلى دواخل شخصياتها لتُعيد تعريف العلاقة بين القانون والمشاعر، وبين الإنسان والعدالة، بأسلوبٍ يوازن بين الحسّ الأدبي والرؤية النقدية.

بهذا العمل، تثبت ذهبي شيماء أنّ الأدب ليس ترفًا لغويًا، بل أداة وعيٍ اجتماعيٍّ ونقدٍ واقعيٍّ. فهي تحوّل الحكاية الفردية إلى قضية جماعية، وتضع القارئ أمام مسؤولية التفكير في ما بعد النص: كيف يمكن للعدالة أن تكون شعورًا قبل أن تكون قانونًا؟ وكيف يمكن للأدب أن يُسهم في إصلاح الوعي الجمعي حول الأسرة والمجتمع؟ لقد نجحت الكاتبة في تحويل «بوڨادو» إلى نصٍّ يلامس وجدان القرّاء، لأنه ينبع من تجربةٍ صادقةٍ ويعبّر عن جيلٍ يبحث عن التوازن بين العاطفة والواجب، بين الحقيقة والعدالة.

ذهبي شيماء، الكاتبة الجزائرية الشابة المولودة سنة 2006، تُعدّ من أبرز الأصوات الأدبية الصاعدة في الجزائر. لفتت الأنظار لأول مرة سنة 2023 بعملها الأول «استنزفت طاقة مشاعري»، وهو كتاب وجدانيٌّ عميق كشف عن حسٍّ مبكرٍ بالنضج الأدبي. ثمّ عادت في 2025 بروايتها الثانية «بوڨادو» لتؤكد مكانتها كصوتٍ أدبيٍّ يكتب من أجل التغيير لا من أجل الترفيه، موظّفة الأدب كوسيلة لتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تُشكّل جوهر الحياة اليومية في الجزائر. بهذه الرواية، ترسّخ شيماء حضورها ضمن جيلٍ جديدٍ من الكتّاب الذين يكتبون بصدقٍ وجرأةٍ ومسؤوليةٍ فكرية، ويمنحون الكلمة دورها الأصيل: أن تكون صوتًا للحقيقة، وعدسةً تكشف وجع المجتمع تحت مجهر الأدب.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

رواية «أهداب الصبح» لوفاء خالد… شهادة أدبية على وجع جيل وحلم وطن

تقدّم الكاتبة الجزائرية وفاء خالد في روايتها الأولى «أهداب الصبح» عملاً روائياً يقترب من ب…