‫الرئيسية‬ في الواجهة رأي تأسيس جمهورية “البريزيدان” الفدرالية …
رأي - الافتتاحية - ‫‫‫‏‫15 دقيقة مضت‬

تأسيس جمهورية “البريزيدان” الفدرالية …

صراحة، عندما قرأت تصريح فرحات مهني في باريس وهو يتحدث عن إعلان “جمهورية قبائلية فدرالية”، لم أتمالك نفسي من الضحك، ليس استهزاءً بالقضية في حد ذاتها، بل بسبب العبث المفاهيمي والمؤسساتي الذي حمله هذا الإعلان. وسرعان ما قادني الخيال إلى التساؤل: كيف يمكن لجمهورية فدرالية أن تُعلن من طرف شخص واحد؟ ومن أي جمهوريات ستتكون هذه الفدرالية المزعومة؟

من الناحية السياسية والدستورية، لا يمكن لما يسمى “الجمهورية القبائلية الفدرالية” أن ترى النور، لأن الفدرالية بطبيعتها تشكيل اتحادي، وليست كياناً يُخلق ببيان أو خطاب. الفدرالية، في كل التجارب المعروفة، تُبنى على وجود كيانات سياسية قائمة بذاتها، جمهوريات أو ولايات أو أقاليم مستقلة نسبياً، لها مؤسساتها المنتخبة، وحكوماتها، وبرلماناتها، ورؤساؤها، ثم تقرر هذه الكيانات، بإرادتها الحرة، الاتحاد ضمن كيان فدرالي جامع.

وفق هذا المنطق البديهي، إذا كان المقصود فعلاً تأسيس “جمهورية قبائلية فدرالية”، فإن ذلك يفترض – نظرياً – وجود جمهوريات سابقة: جمهورية تيزي وزو، جمهورية بجاية، جمهورية البويرة، جمهورية بومرداس، جمهورية أقبو، جمهورية سيدي عيش، وغيرها، تكون قد تأسست منذ سنوات، وتعمل بصفة طبيعية ومستقلة عن بعضها البعض، قبل أن تجتمع في مؤتمر تأسيسي تعلن فيه اتحادها الفدرالي. أما القفز مباشرة إلى إعلان “فدرالية” دون وجود أي كيان مؤسس لها، فذلك أقرب إلى الخيال السياسي منه إلى مشروع قابل للنقاش.

الإشكال هنا ليس سياسياً فقط، بل مفاهيمي أيضاً. فالإعلان الذي قام به فرحات مهني يعكس جهلاً واضحاً بأسس التنظيم الفدرالي، وبأبسط قواعد بناء الدول والكيانات السياسية. لا توجد فدرالية بلا مؤسسين، ولا اتحاد بلا أطراف، ولا جمهورية فدرالية تُعلن من شخص واحد ينصّب نفسه “بريزيدان” دون تفويض، ودون مؤسسات، ودون أرض، ودون شعب مارس حقه في تقرير المصير عبر آليات معترف بها.

ويزداد المشهد غرابة عندما يُستعمل مصطلح “قبائلية” باعتباره توصيفاً سياسياً لكيان مفترض. فمصطلح “قبائل” في حد ذاته توصيف اجتماعي، وليس مفهوماً سياسياً أو إثنياً دقيقاً، وهو في الأصل لفظ عربي يُحيل إلى تجمعات بشرية، لا إلى أمة أو شعب متجانس. وإذا كان المقصود هو الانتماء الأمازيغي، فإن هذا الانتماء لا يقتصر على منطقة القبائل، بل يشمل مناطق جزائرية واسعة، من ورقلة إلى مزاب إلى الأوراس، وهو ما يجعل الادعاء أكثر هشاشة من الناحية المنطقية.

إن ما نحن أمامه ليس مشروع دولة، ولا حتى مشروع انفصال قابل للنقاش الجاد، بل خطاب يقوم على خلط المفاهيم واستعمال المصطلحات السياسية خارج سياقها، ما يحوّل “الجمهورية الفدرالية” المعلنة إلى كيان افتراضي لا وجود له إلا في البيانات والخطب. وفي هذا السياق، يبدو فرحات مهني أقرب إلى شخصية دون كيشوتية، تخوض معارك رمزية ضد واقع لا يعترف بها، وتصارع طواحين هواء سياسية، معتقدة أنها تؤسس دولة، بينما هي في الواقع تعلن فراغاً مؤسساتياً.

إن أخطر ما في هذا النوع من الخطاب ليس طابعه الهزلي، بل محاولته تسويق الوهم على أنه مشروع سياسي، في وقت تتطلب فيه القضايا الوطنية نقاشاً عقلانياً، ومفاهيم واضحة، ومسؤولية سياسية، لا إعلانات فردية تفتقر إلى الأساس القانوني والتاريخي والمؤسساتي.


اكتشاف المزيد من المؤشر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليق

‫شاهد أيضًا‬

الإمارات والقانون الدولي.. احترام انتقائي وشرعية مزيفة

أثار تصريح إيراني حديث حول جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، والذي أكد بشكل قاطع…