المغرب يغلي مجددًا… الشارع ينتفض ضد الغلاء والفساد
استؤنفت المظاهرات في المغرب بعد أسبوع من الهدوء النسبي، لتعيد مشهد الاحتجاجات إلى الشوارع الكبرى من جديد، في ظل تزايد الغضب الشعبي على خلفية تدهور الأوضاع الاجتماعية وغلاء المعيشة وغياب الإصلاحات السياسية الفعلية. وخرج الآلاف من المواطنين في مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وفاس، في مظاهرات وُصفت بأنها الأكبر منذ أشهر، رافعين شعارات تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة.
في الدار البيضاء، توافدت حشود كبيرة إلى الساحات العامة وشوارع وسط المدينة مساء السبت، حيث دوّت هتافات المحتجين المطالبة بالعيش الكريم وتخفيض الأسعار ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد. ورفع المتظاهرون لافتات تُندّد بما وصفوه بـ“اللامساواة الاجتماعية” و“انهيار الخدمات العمومية”، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة. واعتبر المشاركون أن الوضع المعيشي بات لا يُطاق، مؤكدين تمسكهم بالطابع السلمي للحراك ورفضهم لأي محاولة لاستفزاز المتظاهرين أو حرف المسيرات عن مسارها المدني.
وقال أحد المشاركين في المسيرة، وهو أستاذ جامعي، إن “المغاربة لم يعودوا يطالبون بالرفاهية، بل بالحد الأدنى من الكرامة”، مضيفًا أن “الحكومة الحالية فقدت ثقة الشارع بعد فشلها في معالجة الملفات الاجتماعية وتفاقم البطالة وارتفاع أسعار المواد الأساسية.” وأكد أن “الحراك الشعبي لم يعد مجرد غضب عابر، بل أصبح صوتًا سياسيًا واجتماعيًا يعبّر عن معاناة الناس”.
وفي العاصمة الرباط، احتشد مئات المتظاهرين أمام مبنى البرلمان وسط إجراءات أمنية مشددة، مرددين شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وعلى رأسهم معتقلو “حراك الريف”. كما دعا المتظاهرون إلى مراجعة السياسات الاقتصادية التي اعتبروها “مجحفة”، ووقف “تغوّل اللوبيات المالية” التي تتحكم – حسب قولهم – في خيرات البلاد.
حركة الشباب المغربية، وهي الجهة التي تقود هذه الموجة الجديدة من المظاهرات، دعت في بيانها الأخير إلى “استمرار النضال السلمي حتى تحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان توزيع عادل للثروة، وإقامة دولة تحترم الكرامة الإنسانية وتُحاسب الفاسدين مهما كانت مناصبهم”. وأوضحت الحركة أن الاحتجاجات ستتوسع لتشمل مدنًا أخرى في الأسابيع القادمة، “إذا استمرت الحكومة في تجاهل صوت الشارع”.
ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات تعكس تصاعد حالة الإحباط داخل المجتمع المغربي، خاصة في صفوف الشباب العاطلين عن العمل، والطبقات المتوسطة التي تآكلت قدرتها الشرائية بفعل الغلاء المستمر ورفع الدعم عن المواد الأساسية. كما اعتبروا أن تكرار الدعوات للتظاهر يعكس فقدان الثقة في الخطاب الرسمي الذي لم ينجح في تهدئة الوضع أو تقديم حلول ملموسة.
وتأتي هذه الموجة من المظاهرات في سياق إقليمي متوتر، إذ تواجه عدة دول في شمال إفريقيا أزمات اجتماعية متشابهة، ما يجعل الحكومة المغربية أمام اختبار صعب بين خيارين: الاستجابة لمطالب الإصلاح والعدالة الاجتماعية، أو مواجهة تصعيد شعبي قد يتحول إلى حركة احتجاجية شاملة يصعب السيطرة عليها.
ويؤكد المحتجون أن الشارع المغربي لم يعد يخاف من التعبير عن معاناته، وأن الوقت حان لـ“تغيير حقيقي” يعيد للمواطن ثقته في مؤسسات الدولة. وبين هتافات الغضب وأصوات الدعوة إلى الحوار، يبدو أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من التوتر الاجتماعي، قد تحدد ملامح العلاقة بين السلطة والمجتمع في السنوات القادمة.
اكتشاف المزيد من المؤشر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الملف الأمني يحرّك المياه الراكدة بين الجزائر وفرنسا
تشهد العلاقات بين الجزائر وفرنسا توتراً دبلوماسياً متصاعداً منذ أكثر من عام، بعد سلسلة من …